للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رِبَاطًا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْرُسُونَ الثُّغُورَ الْمَخُوفَةَ رَاكِبِينَ عَلَى أَفْرَاسِهِمْ، كَمَا وَصَفَ ذَلِكَ لَبِيدٌ فِي قَوْلِهِ:

وَلَقَدْ حَمَيْتُ الْحَيَّ تَحْمُلُ شِكَّتِي ... فُرُطٌ وِشَاحِيَ إِنْ رَكَبْتُ زِمَامُهَا

إِلَى أَنْ قَالَ:

حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ ... وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا

أَسْهَلْتُ وَانْتَصَبَتْ كَجِذْعِ مُنِيفَةٍ ... جَرْدَاءَ يَحْصَرُ دُونَهَا جُرَّامُهَا

ثُمَّ أُطْلِقَ الرِّبَاطُ عَلَى مَحْرَسِ الثَّغْرِ الْبَحْرِيِّ، وَبِهِ سَمَّوْا رِبَاطَ (دِمْيَاطَ) بِمِصْرَ، وَرِبَاطَ (الْمُنَسْتِيرِ) بِتُونُسَ، وَرِبَاطَ (سَلَا) بِالْمَغْرِبِ الْأَقْصَى.

وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٢٠٠] .

وَجُمْلَةُ: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ إِمَّا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، نَاشِئًا عَنْ تَخْصِيصِ الرِّبَاطِ بِالذِّكْرِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا يَعُمُّهُ، وَهُوَ الْقُوَّةُ، وَإِمَّا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ وَأَعِدُّوا.

وَعَدُوُّ اللَّهِ وَعَدُوُّهُمْ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ فَكَانَ تَعْرِيفُهُمْ بِالْإِضَافَةِ، لِأَنَّهَا أَخْصَرُ طَرِيقٍ لِتَعْرِيفِهِمْ، وَلِمَا تَتَضَمَّنُهُ مِنْ وَجْهِ قِتَالِهِمْ وَإِرْهَابِهِمْ، وَمِنْ ذَمِّهِمْ، أَنْ كَانُوا أَعْدَاءَ رَبِّهِمْ، وَمِنْ تَحْرِيضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قِتَالِهِمْ إِذْ عُدُّوا أَعْدَاءً لَهُمْ، فَهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ تَوْحِيدِهِ وَهُمْ أَعْدَاءُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ صَارَحُوهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَهُمْ أَعْدَاءُ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْلِيَاءُ دِينِ اللَّهِ وَالْقَائِمُونَ بِهِ وَأَنْصَارُهُ، فَعَطْفُ وَعَدُوَّكُمْ عَلَى عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ عَطْفِ صِفَةِ مَوْصُوفٍ وَاحِدٍ مِثْلَ قَوْلِ الشَّاعِرِ، وَهُوَ مِنْ شَوَاهِدِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ:

إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَا ... مِ وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ

وَالْإِرْهَابُ جَعْلُ الْغَيْرِ رَاهِبًا، أَيْ خَائِفًا، فَإِنَّ الْعَدُوَّ إِذَا عَلِمَ اسْتِعْدَادَ عَدُوِّهِ لِقِتَالِهِ خَافَهُ، وَلَمْ يَجْرَأْ عَلَيْهِ، فَكَانَ ذَلِكَ هَنَاءً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمْنًا مِنْ أَنْ يَغْزُوَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ،