لِيُؤَذِّنَ بِهَا فِي الْمَوْسِمِ. وَهَذَا مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ثَلَاثِينَ آيَةً مِنْهَا، مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التَّوْبَة: ٣٠] أُذِّنَ بِهَا يَوْمَ الْمَوْسِمِ، وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ آيَةً: مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التَّوْبَة: ٤٠] أُذِّنَ بِهِ فِي الْمَوْسِمِ، كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا فِي مُخْتَلِفِ الرِّوَايَاتِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا يُغَلِّبُ الظَّنَّ بِأَنَّ أَرْبَعِينَ آيَةً نَزَلَتْ مُتَتَابِعَةً، عَلَى أَنَّ نُزُولَ جَمِيعِ السُّورَةِ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَيْسَ بِبَعِيدٍ عَنِ الصِّحَّةِ.
وَعَدَدُ آيِهَا، فِي عَدِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ: مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ آيَةً، وَفِي عَدِّ
أَهْلِ الْكُوفَةِ مِائَةٌ وَتِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً.
اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فِي رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ، عَقَدَ الْعَزْمَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ فِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ عَامِهِ وَلَكِنَّهُ كَرِهَ (عَنِ اجْتِهَادٍ أَوْ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ مُخَالَطَةَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَجِّ مَعَهُ، وَسَمَاعَ تَلْبِيَتِهِمُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الْإِشْرَاكَ، أَيْ قَوْلِهِمْ فِي التَّلْبِيَةِ «لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» .- وَطَوَافُهُمْ عُرَاةً، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ لَمْ يَزَلْ عَامِلًا لَمْ يُنْقَضْ- وَالْمَعْنَى أَنَّ مَقَامَ الرِّسَالَةِ يَرْبَأُ عَنْ أَنْ يَسْمَعَ مُنْكَرًا مِنَ الْكُفْرِ وَلَا يُغَيِّرُهُ بِيَدِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْوَى الْإِيمَانِ- فَأَمْسَكَ عَنِ الْحَجِّ تِلْكَ السَّنَةِ، وَأَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَ الْمُشْرِكِينَ بِأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ عَامِهِ ذَلِكَ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَأَكْثَرُ الْأَقْوَالِ عَلَى أَنَّ بَرَاءَةٌ نَزَلَتْ قَبْلَ خُرُوجِ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ مَا صَدَرَ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادِرًا عَنْ وَحْيٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ- إِلَى قَوْلِهِ- أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التَّوْبَة: ١٧، ١٨]- وَقَوْلِهِ- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا [التَّوْبَة: ٢٨] الْآيَةَ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةَ عَلَى أَنْ يَضَعُوا الْحَرْبَ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ بَنُو بَكْرٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ ثُمَّ عَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ بِسَبَبِ دَمٍ كَانَ لِبَنِي بَكْرٍ عِنْدَ خُزَاعَةَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِمُدَّةٍ. وَاقْتَتَلُوا فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلصُّلْحِ. وَاسْتَصْرَخَتْ خُزَاعَةُ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَعَدَهُمْ بِالنَّصْرِ وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَتْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute