وَتَنْكِيرُ بَراءَةٌ تَنْكِيرُ التَّنْوِيعِ، وَمَوْقِعُ بَراءَةٌ مُبْتَدَأٌ، وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ مَا فِي التَّنْكِيرِ مِنْ مَعْنَى التَّنْوِيعِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ هَذَا النَّوْعَ كَافٍ فِي فَهْمِ الْمَقْصُودِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ [الْأَعْرَاف: ١، ٢] .
وَالْمَجْرُورَانِ فِي قَوْلِهِ: مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْفَائِدَةِ أَيْ: الْبَرَاءَةُ صَدَرَتْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
ومِنَ ابْتِدَائِيَّةٌ، وإِلَى لِلِانْتِهَاءِ لِمَا أَفَادَهُ حَرْفُ مِنَ مِنْ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ بَرَاءَةٌ أَصْدَرَهَا اللَّهُ بِوَاسِطَةِ رَسُولِهِ إِبْلَاغًا إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
وَالْبَرَاءَةُ الْخُرُوجُ وَالتَّفَصِّي مِمَّا يُتْعِبُ وَرَفْعُ التَّبِعَةِ. وَلَمَّا كَانَ الْعَهْدُ يُوجِبُ عَلَى الْمُتَعَاهِدِينَ الْعَمَلَ بِمَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ وَيُعَدُّ الْإِخْلَافُ بِشَيْءٍ مِنْهُ غَدْرًا عَلَى الْمُخْلِفِ، كَانَ الْإِعْلَانُ بِفَسْخِ الْعَهْدِ بَرَاءَةً مِنَ التَّبِعَاتِ الَّتِي كَانَتْ بِحَيْثُ تَنْشَأُ عَنْ إِخْلَافِ الْعَهْدِ، فَلِذَلِكَ كَانَ لَفْظُ بَراءَةٌ هُنَا مُفِيدًا مَعْنَى فَسْخِ الْعَهْدِ وَنَبْذِهِ لِيَأْخُذَ الْمُعَاهِدُونَ حِذْرَهُمْ. وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ يَنْبِذُونَ الْعَهْدَ وَيَرُدُّونَ الْجِوَارَ إِذَا شَاءُوا تَنْهِيَةَ الِالْتِزَامِ بِهِمَا، كَمَا فَعَلَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ فِي رَدِّ جِوَارِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ قُرَيْشٍ، وَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي رَدِّ جِوَارِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ إِيَّاهُ قَائِلًا: «رَضِيتُ بِجِوَارِ رَبِّي وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَجِيرَ غَيْرَهُ» . وَقَالَ تَعَالَى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخائِنِينَ [الْأَنْفَال: ٥٨] أَيْ: وَلَا تَخُنْهُمْ لِظَنِّكَ أَنَّهُمْ يَخُونُونَكَ فَإِذَا ظَنَنْتَهُ فَافْسَخْ عَهْدَكَ مَعَهُمْ.
وَلَمَّا كَانَ الْجَانِبُ، الَّذِي ابْتَدَأَ بِإِبْطَالِ الْعَهْدِ وَتَنْهِيَتِهِ، هُوَ جَانِبُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ، جُعِلَتْ هَذِهِ الْبَرَاءَةُ صَادِرَةً مِنَ اللَّهِ، لِأَنَّهُ الْآذِنُ بِهَا، وَمِنْ رَسُولِهِ، لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لَهَا.
وَجُعِلَ ذَلِكَ مُنَهًّى إِلَى الْمُعَاهِدِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِبْلَاغُ ذَلِكَ الْفَسْخِ إِلَيْهِمْ وَإِيصَالُهُ لِيَكُونُوا عَلَى بَصِيرَةٍ فَلَا يَكُونَ ذَلِكَ الْفَسْخُ غَدْرًا.
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: عاهَدْتُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ. فَهَذِهِ الْبَرَاءَةُ مَأْمُورُونَ بِإِنْفَاذِهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَهْدَ بَيْنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ قَدِ انْعَقَدَ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ،
فَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ ظَاهَرَهُمْ عَهْدُ الْحُدَيْبِيَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute