وَأَمَّا الْأَعِنَّةُ وَالْقُبَّةُ فَقُبَّةٌ يَضْرِبُونَهَا يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهَا عِنْدَ تَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَسُمِّيَتِ الْأَعِنَّةَ وَكَانَتْ لِبَنِي مَخْزُومٍ. وَهُمْ أَبْنَاءُ عَمِّ قُصَيٍّ، وَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ بِيَدِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
وَأَمَّا الْحُكُومَةُ وَأَمْوَالُ الْآلِهَةِ- وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَقِيقَتِهَا- فَأَحْسَبُ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا الْحُكُومَةَ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُتَجَمِّعَ بِهَا هُوَ مَا يُحَصَّلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْإِحْرَامِ. وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا أَمْوَالَ الْآلِهَةِ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ تُحَصَّلُ مِنْ نَحْوِ السَّائِبَةِ وَالْبَحِيرَةِ وَمَا يُوهَبُ لِلْآلِهَةِ مِنْ سِلَاحٍ وَمَتَاعٍ. فَكَانَتْ لِبَنِي سَهْمٍ وَهُمْ أَبْنَاءُ عَمٍّ لِقُصَيٍّ. وَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ بِيَدِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ سَهْمٍ.
وَأَمَّا الْأَيْسَارُ وَهِيَ الْأَزْلَامُ الَّتِي يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فَكَانَتْ لِبَنِي جُمَحٍ وَهُمْ أَبْنَاءُ عَمٍّ لِقُصَيٍّ، وَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ بِيَدِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ.
وَقَدْ أَبْطَلَ الْإِسْلَامُ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَنَاصِبِ، عَدَا السِّدَانَةَ وَالسِّقَايَةَ،
لِقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ «أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ مِنْ مَآثِرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَّا سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَسِدَانَةَ الْبَيْتِ»
(١) .
وَكَانَتْ مَنَاصِبُ الْعَرَبِ الَّتِي بِيَدِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ خَمْسَةً: الْحِجَابَةَ، وَالسِّقَايَةَ، وَالرِّفَادَةَ، وَالنَّدْوَةَ، وَاللِّوَاءَ- فَلَمَّا كَبُرَ قُصَيٌّ جَعَلَ الْمَنَاصِبَ لِابْنِهِ عَبْدِ الدَّارِ، ثُمَّ اخْتَصَمَ أَبْنَاءُ قُصَيٍّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَدَاعَوْا لِلْحَرْبِ، ثُمَّ تَدَاعَوْا لِلصُّلْحِ، عَلَى أَنْ يُعْطُوا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ الْحِجَابَةَ وَاللِّوَاءَ وَالنَّدْوَةَ، وَأَنْ يُعْطُوا بَنِي عَبْدَ مَنَافٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ، وَأُحْدِثَتْ مَنَاصِبُ لِبَعْضٍ مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرِ أَبْنَاءِ قُصَيٍّ فَانْتَهَتِ الْمَنَاصِبُ إِلَى عَشْرَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَذِكْرُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لَيْسَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّسْوِيَةِ الْمَرْدُودَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدَّعُوا التَّسْوِيَةَ بَيْنَ السِّقَايَةِ أَوِ الْعِمَارَةِ بِدُونِ الْإِيمَانِ، بَلْ ذِكْرُ الْإِيمَانِ إِدْمَاجٌ، لِلْإِيمَاءِ إِلَى
أَنَّ الْجِهَادَ أَثَرُ الْإِيمَانِ، وَهُوَ مُلَازِمٌ لِلْإِيمَانِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِ التَّنَصُّلُ مِنْهُ بِعِلَّةِ اشْتِغَالِهِ بِسِقَايَةِ الْحَاجِّ وَعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَلَيْسَ ذِكْرُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لِكَوْنِ الَّذِينَ جَعَلُوا مَزِيَّةَ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِثْلَ مَزِيَّةِ الْإِيمَانِ
(١) رَوَاهُ ابْن الْأَثِير فِي «النِّهَايَة» فِي مَادَّة (أثر) ومادة (سقى) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute