مُكَلَّفِينَ بِانْكِفَافِ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الِاقْتِرَابِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ بَابِ قَوْلِ الْعَرَبِ: «لَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا» فَلَيْسَ النَّهْيُ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى ظَاهِرِهِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ اقْتِرَابِهِمْ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ النَّهْيُ عَنْ حُضُورِهِمُ الْحَجَّ لِأَنَّ مَنَاسِكَ الْحَجِّ كُلَّهَا تَتَقَدَّمُهَا زِيَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَعْقُبُهَا كَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ لَمَّا نَزَلَتْ «بَرَاءَةٌ» أَرْسَلَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُنَادَى فِي الْمَوْسِمِ أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَقَرِينَةُ ذَلِكَ تَوْقِيتُ ابْتِدَاءِ النَّهْيِ بِمَا بَعْدَ عَامِهِمُ الْحَاضِرِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى عَمَلٍ يَكْمُلُ مَعَ اقْتِرَابِ اكْتِمَالِ الْعَامِ وَذَلِكَ هُوَ الْحَجُّ. وَلَوْلَا إِرَادَةُ ذَلِكَ لَمَا كَانَ فِي تَوْقِيتِ النَّهْيِ عَنِ اقْتِرَابِ الْمَسْجِدِ بِانْتِهَاءِ الْعَامِ حِكْمَةٌ وَلَكَانَ النَّهْيُ عَلَى الْفَوْرِ.
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ النَّهْيِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: وَعْدُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ عَنِ الْمَنَافِعِ الَّتِي تَأْتِيهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حِينَ كَانُوا يَفِدُونَ إِلَى الْحَجِّ فَيُنْفِقُونَ وَيُهْدُونَ الْهَدَايَا فَتَعُودُ مِنْهُمْ مَنَافِعُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا، وَقَدْ أَصْبَحَ أَهْلُهَا مُسْلِمِينَ فَلَا جَرَمَ أَنَّ مَا يَرِدُ إِلَيْهَا مِنْ رِزْقٍ يَعُودُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَالْعَيْلَةُ: الِاحْتِيَاجُ وَالْفَقْرُ أَيْ إِنَّ خَطَرَ فِي نُفُوسِكُمْ خَوْفُ الْفَقْرِ مِنِ انْقِطَاعِ الْإِمْدَادِ عَنْكُمْ بِمَنْعِ قَبَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْحَجِّ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُغْنِيكُمْ عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ بِأَنْ هَدَى لِلْإِسْلَامِ أَهْلَ تَبَالَةَ وَجُرَشَ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، فَأَسْلَمُوا عَقِبَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ بِلَادُهُمْ بِلَادَ خَصْبٍ وَزَرْعٍ فَحَمَلُوا إِلَى مَكَّةَ الطَّعَامَ وَالْمِيرَةَ، وَأَسْلَمَ أَيْضًا أَهْلُ جُدَّةَ وَبَلَدِهِمْ مَرْفَأٌ تَرِدُ إِلَيْهِ الْأَقْوَاتُ مِنْ مِصْرَ وَغَيْرِهَا، فَحَمَلُوا الطَّعَامَ إِلَى مَكَّةَ، وَأَسْلَمَ أَهْلُ صَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ، وَبَلَدِهِمْ تَأْتِيهِ السُّفُنُ مِنْ أَقَالِيمَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْهِنْدِ وَغَيْرِهَا.
وَقَوْلُهُ: إِنْ شاءَ يَفْتَحُ لَهُمْ بَابَ الرَّجَاءِ مَعَ التَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ فِي تَحْقِيقِ وَعْدِهِ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute