للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَانَ النَّسِيءُ بِأَيْدِي بَنِي فُقَيْمٍ (١) مِنْ كِنَانَةَ وَأَوَّلُ مَنْ نَسَأَ الشُّهُورَ هُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمٍ.

وَتَقْرِيبُ زَمَنِ ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ بِالنَّسِيءِ أَنَّهُ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الثَّالِثِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، أَيْ فِي حُدُودِ سَنَةِ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ.

وَصِيغَةُ الْقَصْرِ فِي قَوْله: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَعْدُو كَوْنَهُ مِنْ أَثَرِ الْكُفْرِ لِمَحَبَّةِ الِاعْتِدَاءِ وَالْغَارَاتِ فَهُوَ قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ، وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ زِيَادَةً فِي الْكُفْرِ أَنَّ

الَّذِينَ وَضَعُوهُ لَيْسُوا إِلَّا كَافِرِينَ وَمَا هُمْ بِمُصْلِحِينَ، وَمَا الَّذِينَ تَابَعُوهُمْ إِلَّا كَافِرُونَ كَذَلِكَ وَمَا هُمْ بِمُتَّقِينَ.

وَوَجْهُ كَوْنِهِ كُفْرًا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ شَرْعَ لَهُمُ الْحَجَّ وَوَقَّتَهُ بِشَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ الْقَمَرِيَّةِ الْمَعْدُودَةِ الْمُسَمَّاةِ بِأَسْمَاءَ تُمَيِّزُهَا عَنِ الِاخْتِلَاطِ، فَلَمَّا وَضَعُوا النَّسِيءَ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ بَعْضَ الشُّهُورِ فِي غَيْرِ مَوْقِعِهِ، وَيُسَمُّونَهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ، وَيُصَادِفُونَ إِيقَاعَ الْحَجِّ فِي غَيْرِ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ لَهُ، أَعْنِي شَهْرَ ذِي الْحِجَّةِ وَلِذَلِكَ سَمَّوْهُ النَّسِيءَ اسْمًا مُشْتَقًّا مِنْ مَادَّةِ النَّسَّاءِ وَهُوَ التَّأْخِيرُ، فَهُمْ قَدِ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُ تَأْخِيرُ شَيْءٍ عَنْ وَقْتِهِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُسْتَخِفُّونَ بِشَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُخَالِفُونَ لِمَا وَقَّتَ لَهُمْ عَنْ تَعَمُّدٍ مُثْبِتِينَ الْحِلَّ لِشَهْرٍ حَرَامٍ وَالْحُرْمَةَ لِشَهْرٍ غَيْرِ حَرَامٍ، وَذَلِكَ جُرْأَةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَاسْتِخْفَافٌ بِهِ، فَلِذَلِكَ يُشْبِهُ جَعْلُهُمْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ، فَكَمَا جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ فِي الْإِلَهِيَّةِ جَعَلُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ فِي التَّشْرِيعِ يُخَالِفُونَهُ فِيمَا شَرَعَهُ فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَالْكُفْرِ، فَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ تُوجِبُ كُفْرَ فَاعِلِهَا وَلَكِنَّ كُفْرَ هَؤُلَاءِ أَوْجَبَ عَمَلَهُمُ الْبَاطِلَ.

وَحَرْفُ فِي الْمُفِيدُ الظَّرْفِيَّةَ مُتَعَلِّقٌ «بِزِيَادَةٍ» لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَتَعَدَّى بِفِي يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشاءُ [فاطر: ١] فَالزِّيَادَةُ فِي الْأَجْسَامِ تَقْتَضِي حُلُولَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فِي الْجِسْمِ الْمُشَابِهِ لِلظَّرْفِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ إِحْدَاثُهُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُشْركين فِي شؤون دِيَانَتِهِمْ وَكَانَ فِيهِ إِبْطَالٌ لِمَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَلِحُرْمَةِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ اعْتُبِرَ زِيَادَةً فِي الْكُفْرِ بِمَعْنَى فِي أَعْمَالِ الْكفْر وَإِن لم يَكُنْ فِي ذَاتِهِ كُفْرًا وَهَذَا كَمَا يَقُولُ السَّلَفُ: إِنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ يُرِيدُونَ بِهِ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهَا مَعَ الْجَزْمِ بِأَنَّ مَاهِيَّةَ


(١) فقيم بِصِيغَة التصغير اسْم جد.