للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُصُولِ النَّصْرِ بِدُونِ نَصِيرٍ، فَبَيَّنَ بِأَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُ كَمَا نَصَرَهُ حِينَ كَانَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ لَا جَيْشَ مَعَهُ، فَالَّذِي نَصَرَهُ حِينَ كَانَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ قَدِيرٌ عَلَى نَصْرِهِ وَهُوَ فِي جَيْشٍ عَظِيمٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ تَقْدِيرَ قُعُودِهِمْ عَنِ النَّفِيرِ لَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا.

وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ بِ تَنْصُرُوهُ عَائِدٌ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ، لِأَنَّهُ وَاضِحٌ مِنَ الْمَقَامِ.

وَجُمْلَةُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ جَوَابٌ لِلشَّرْطِ، جُعِلَتْ جَوَابًا لَهُ لِأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى مَعْنَى الْجَوَابِ الْمُقَدَّرِ لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِلْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ: فَإِنَّ مَضْمُونَ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ قَدْ حَصَلَ فِي الْمَاضِي فَلَا يَكُونُ جَوَابًا لِلشَّرْطِ الْمَوْضُوعِ لِلْمُسْتَقْبَلِ، فَالتَّقْدِيرُ: إِنْ لَا تَنْصُرُوهُ فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ نُصْرَتِكُمْ بِنَصْرِ اللَّهِ إِيَّاهُ إِذْ قَدْ نَصَرَهُ فِي حِينِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا وَاحِدٌ لَا يَكُونُ بِهِ نَصْرٌ فَكَمَا نَصَرَهُ يَوْمَئِذٍ يَنْصُرُهُ حِينَ لَا تَنْصُرُونَهُ. وَسَيَجِيءُ فِي الْكَلَامِ بَيَانُ هَذَا النَّصْرِ بِقَوْلِهِ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها الْآيَةَ.

وَيَتَعَلَّقُ إِذْ أَخْرَجَهُ بِ نَصَرَهُ أَيْ زَمَنَ إِخْرَاجِ الْكُفَّارِ إِيَّاهُ، أَيْ مِنْ مَكَّةَ، وَالْمُرَادُ خُرُوجُهُ مُهَاجِرًا. وَأَسْنَدَ الْإِخْرَاجَ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِيهِ بِأَنْ دَبَّرُوا لِخُرُوجِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [الْأَنْفَال:

٣٠] ، وَبِأَنْ آذَوْهُ وَضَايَقُوهُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ، وَضَايَقُوا الْمُسْلِمِينَ بِالْأَذَى وَالْمُقَاطَعَةِ، فَتَوَفَّرَتْ أَسْبَابُ خُرُوجِهِ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَتَرَدَّدُونَ فِي تَمْكِينِهِ مِنَ الْخُرُوجِ خَشْيَةَ أَنْ يَظْهَرَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ آخَرِينَ، فَلِذَلِكَ كَانُوا فِي آخِرِ الْأَمْرِ مُصَمِّمِينَ عَلَى مَنْعِهِ مِنَ الْخُرُوجِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِ مَنْ يَرْقُبُهُ وَحَاوَلُوا الْإِرْسَالَ وَرَاءَهُ لِيَرُدُّوهُ إِلَيْهِمْ، وَجَعَلُوا لِمَنْ يَظْفَرُ بِهِ جَزَاءً جَزِلًا، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ.

كُتِبَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا مِنْ قَوْلِهِ: إِلَّا تَنْصُرُوهُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا لَامْ أَلِفْ، عَلَى كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِهَا مُدْغَمَةً، وَالْقِيَاسُ أَنْ تُكْتَبَ (إِنْ لَا) - بِهَمْزَةٍ فَنُونٍ فَلَامْ أَلِفْ- لِأَنَّهُمَا حَرْفَانِ: (إِنْ) الشَّرْطِيَّةُ وَ (لَا) النَّافِيَةُ، وَلَكِنَّ رَسْمَ الْمُصْحَفِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَلَمْ تَكُنْ لِلرَّسْمِ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ قَوَاعِدُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ كُتِبَ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ