عَلَى نُجُومِ كِتَابَةٍ، أَوْ فِدَاءِ أَسْرَى مُسْلِمِينَ، لِأَنَّ الْأَسْرَى عَبِيدٌ لِمَنْ أَسَرُوهُمْ، وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٧٧] قَوْلُهُ: وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ.
وَالْغارِمِينَ الْمَدِينُونَ الَّذِينَ ضَاقَتْ أَمْوَالُهُمْ عَنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّيُونِ، بِحَيْثُ يُرْزَأُ دَائِنُوهُمْ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ يُرْزَأُ الْمَدِينُونَ مَا بَقِيَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ لِإِقَامَةِ أَوَدَ الْحَيَاةِ، فَيَكُونُ مِنْ صَرْفِ أَمْوَالٍ مِنَ الصَّدَقَاتِ فِي ذَلِكَ رَحْمَةٌ لِلدَّائِنِ وَالْمَدِينِ.
وسَبِيلِ اللَّهِ الْجِهَادُ، أَيْ يُصْرَفُ مِنْ أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ مَا تُقَامُ بِهِ وَسَائِلُ الْجِهَادِ مِنْ آلَاتٍ وَحِرَاسَةٍ فِي الثُّغُورِ، كُلُّ ذَلِكَ بَرًّا وَبَحْرًا.
وابْنِ السَّبِيلِ الْغَرِيبُ بِغَيْرِ قَوْمِهِ، أُضِيفَ إِلَى السَّبِيلِ بِمَعْنَى الطَّرِيقِ: لِأَنَّهُ أَوْلَدَهُ
الطَّرِيقُ الَّذِي أَتَى بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَوْلُودًا فِي الْقَوْمِ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ ابْنِ السَّبِيلِ.
وَلِفُقَهَاءِ الْأُمَّةِ فِي الْأَحْكَامِ الْمُسْتَمَدَّةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ طَرَائِقُ جَمَّةٌ، وَأَفْهَامٌ مُهِمَّةٌ، يَنْبَغِي أَنْ نُلِمَّ بِالْمَشْهُورِ مِنْهَا بِمَا لَا يُفْضِي بِنَا إِلَى الْإِطَالَةِ، وَإِنَّ مَعَانِيَهَا لَأَوْفَرُ مِمَّا تَفِي بِهِ الْمَقَالَةُ.
فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِجَعْلِ الصَّدَقَاتِ لِهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ فَبِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ حَمْلِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: لِلْفُقَراءِ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ أَوِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ هَلْ يَجِبُ إِعْطَاءُ كُلِّ صِنْفٍ مِقْدَارًا مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَهَلْ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ فِيمَا يُعْطَى كُلُّ صِنْفٍ مِنْ مِقْدَارِهَا، وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِعْطَاءُ لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ، بَلِ التَّوْزِيعُ مَوْكُولٌ لِاجْتِهَادِ وُلَاةِ الْأُمُورِ يَضَعُونَهَا عَلَى حَسَبِ حَاجَةِ الْأَصْنَافِ وَسَعَةِ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ، وَحُذَيْفَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ حُذَيْفَةَ. إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ هَذِهِ الْأَصْنَافَ لِتُعْرَفَ وَأَيُّ صِنْفٍ أَعْطَيْتَ مِنْهَا أَجْزَأَكَ. قَالَ الطَّبَرَيُّ: الصَّدَقَةُ لِسَدِّ خَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لِسَدِّ خَلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ مَآخِذِ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ الْأَصْنَافِ وَتَعْدَادِهِمْ. قُلْتُ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ حُذَّاقُ النُّظَّارِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِثْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute