مَا يُتَّهَمُونَ بِهِ، فَإِذَا سُئِلُوا عَنْ حَدِيثٍ يَجْرِي بَيْنَهُمْ يُسْتَرَابُ مِنْهُمْ أَجَابُوا بِأَنَّهُ خَوْضٌ وَلَعِبٌ، يُرِيدُونَ أَنَّهُ اسْتِجْمَامٌ لِلرَّاحَةِ بَيْنَ أَتْعَابِ السَّفَرِ لِمَا يَحْتَاجُهُ الْكَادُّ عَمَلًا شَاقًّا مِنَ الرَّاحَةِ بِالْمَزْحِ وَاللَّعِبِ. وَرُوِيَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ رَكْبًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ نِفَاقًا، مِنْهُمْ: وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَوْفِيُّ، وَمَخْشِيُّ بْنُ حُمَيِّرٍ الْأَشْجَعِيُّ، حَلِيفُ بَنِيَ سَلَمَةَ، وَقَفُوا عَلَى عَقَبَةٍ فِي الطَّرِيقِ يَنْظُرُونَ جَيْشَ الْمُسْلِمِينَ
فَقَالُوا انْظُرُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَ حُصُونَ الشَّامِ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فَسَأَلَهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُنَاجَاتِهِمْ فَأَجَابُوا «إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ» .
وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يَتَّجِهُ لِأَنَّ صِيغَةَ الشَّرْطِ مُسْتَقْبَلَةٌ فَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ، مِمَّا يُسْأَلُونَ عَنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إِخْبَارًا بِمَا سَيُجِيبُونَ، فَهُمْ يُسْأَلُونَ عَمَّا يَتَحَدَّثُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَنَوَادِيهِمْ، الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [الْبَقَرَة: ١٤] لِأَنَّهُمْ كَانُوا كَثِيرِي الِانْفِرَادِ عَنْ مَجَالِسِ الْمُسْلِمِينَ. وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ السُّؤَالِ لِظُهُورِهِ مِنْ قَرِينَةِ قَوْلِهِ: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. وَالتَّقْدِيرُ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ عَنْ حَدِيثِهِمْ فِي خَلَوَاتِهِمْ، أَعْلَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِذَلِكَ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوءَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمُ الرَّسُولُ، وَأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُمْ بَعْدَهَا أَجَابُوا بِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الْآيَةُ.
وَالْقَصْرُ لِلتَّعْيِينِ: أَيْ مَا تَحَدَّثْنَا إِلَّا فِي خَوْضٍ وَلَعِبٍ دُونَ مَا ظَنَنْتَهُ بِنَا مِنَ الطَّعْنِ وَالْأَذَى.
وَالْخَوْضُ: تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٦٨] .
وَاللَّعِبُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ فِي الْأَنْعَامِ [٣٢] ، وَلَمَّا كَانَ اللَّعِبُ يَشْمَلُ الِاسْتِهْزَاءَ بِالْغَيْرِ جَاءَ الْجَوَابُ عَنِ اعْتِذَارِهِمْ بقوله: كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ فَلَمَّا كَانَ اعْتِذَارُهُمْ مُبْهَمًا رُدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ إِذْ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبَهُمْ جَوَابَ الْمُوقِنِ بِحَالِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهُ بِمَا سَيَعْتَذِرُونَ بِهِ فَقَالَ لَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute