وَالِاسْتِمْتَاعُ: التَّمَتُّعُ، وَهُوَ نَوَالُ أَحَدِ الْمَتَاعِ الَّذِي بِهِ الْتِذَاذُ الْإِنْسَانِ وَمُلَائِمُهُ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٢٤] .
وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي قُوَّةِ التَّمَتُّعِ.
وَالْخَلَاقُ: الْحَظُّ مِنَ الْخَيْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٠٠] .
وَتَفَرَّعَ فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ عَلَى كانُوا أَشَدَّ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِدْخَالُهُ فِي الْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي.
وَتَفَرَّعَ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ عَلَى مَا أَفَادَهُ حَرْفُ الْكَافِ بِقَوْلِهِ: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ مَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ جُمْلَةُ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِوَاوِ الْعَطْفِ، فَإِنَّ هَذِهِ
الْجُمْلَةَ هِيَ الْمَقْصِدُ مِنَ التَّشْبِيهِ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ ذِكْرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ جُمْلَةِ: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ لَوْلَا قَصْدُ الْمَوْعِظَةِ بِالْفَرِيقَيْنِ: الْمُشَبَّهِ بِهِمْ، وَالْمُشَبَّهِينَ، فِي إِعْرَاضِ كِلَيْهِمَا عَنْ أَخْذِ الْعُدَّةِ لِلْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ وَفِي انْصِبَابِهِمَا عَلَى التَّمَتُّعِ الْعَاجِلِ فَلَمْ يَكْتَفِ فِي الْكَلَامِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى حَالِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، قَصْدًا لِلِاعْتِنَاءِ بِكِلَيْهِمَا فَذَلِكَ الَّذِي اقْتَضَى هَذَا الْإِطْنَابَ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهُ فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ لَحَصَلَ أَصْلُ الْمَعْنَى وَلَمْ يُسْتَفَدْ قَصْدُ الِاهْتِمَامِ بِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ.
وَلِذَلِكَ لَمَّا تَقَرَّرَ هَذَا الْمَقْصِدُ فِي أَنْفُسِ السَّامِعِينَ لَمْ يُحْتَجَّ إِلَى نَسْجِ مِثْلِ هَذَا النَّظْمِ فِي قَوْلِهِ: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا.
وَقَوْلُهُ: كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ تَأْكِيدٌ لِلتَّشْبِيهِ الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ:
كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ- إِلَى قَوْلِهِ- فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ بِخُصُوصِهِ، مِنْ بَيْنِ الْحَالَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَالْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا، هُوَ مَحَلُّ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّذْكِيرِ، فَلَا يَغُرُّهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ نِعْمَةِ الْإِمْهَالِ وَالِاسْتِدْرَاجِ، فَقَدَّمَ قَوْلَهُ: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ وَأَتَى بِقَوْلِهِ: كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ مُؤَكِّدًا لَهُ دُونَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى هَذَا التَّشْبِيهِ الْأَخِيرِ، لِيَتَأَتَّى التَّأْكِيدُ، وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ مَا يُتَمِّمُ تَصْوِيرَ الْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا الْمُرَكَّبَةِ، قَبْلَ إِيقَاعِ التَّشْبِيهِ، أَشَدُّ تَمْكِينًا لِمَعْنَى الْمُشَابَهَةِ عِنْدَ السَّامِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute