بِمَعْنَى قَبِلَ الْعُذْرَ. وَالْعُذْرُ الْبَيِّنَةُ وَالْحَالَةُ الَّتِي يَتَنَصَّلُ الْمُحْتَجُّ بِهَا مِنْ تَبِعَةٍ أَوْ مَلَامٍ عِنْدَ مَنْ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ.
وَقَرَأَ يَعْقُوبُ الْمُعَذِّرُونَ- بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ-، مِنْ أَعْذَرَ إِذَا بَالَغَ فِي الِاعْتِذَارِ.
وَالْأَعْرَابُ اسْمُ جَمْعٍ يُقَالُ فِي الْوَاحِدِ: أَعْرَابِيٌّ- بِيَاءِ النَّسَبِ- نِسْبَةً إِلَى اسْمِ الْجَمْعِ كَمَا يُقَالُ مَجُوسِيٌّ لِوَاحِدِ الْمَجُوسِ. وَصِيغَةُ الْأَعْرَابِ مِنْ صِيَغِ الْجُمُوعِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا لِأَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِ جَمْعِهِ فَلِذَلِكَ جُعِلَ اسْمَ جَمْعٍ. وَهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَهُمُ الَّذِينَ أَعْلَنُوا بِالْعِصْيَانِ فِي أَمْرِ الْخُرُوجِ إِلَى الْغَزْوِ مِنَ الْأَعْرَابِ أَيْضا كَمَا ينبىء عَنْهُ السِّيَاقُ، أَيْ قَعَدُوا دُونَ اعْتِذَارٍ.
فَالْقُعُودُ هُوَ عَدَمُ الْخُرُوجِ إِلَى الْغَزْوِ. وَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْقُعُودُ دُونَ اعْتِذَارٍ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ:
وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ.
وَجُمْلَةُ: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ وَهَذَا فَرِيقٌ آخَرُ مِنَ الْأَعْرَابِ خَلِيطٌ مِنْ مُسْلِمِينَ وَمُنَافِقِينَ كَذَبُوا بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ كَانُوا كَاذِبِينَ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ كَذَبُوا فِي الْإِيمَانِ الَّذِي أَظْهَرُوهُ مِنْ قَبْلُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَذَبُوا فِي وَعْدِهِمُ النَّصْرَ ثُمَّ قَعَدُوا دُونَ اعْتِذَارٍ بِحَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَخَلُّفُهُمْ مُتَرَقَّبًا لِأَنَّ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا قَدْ عَلِمَ النَّبِيءُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنَّهُمْ غَيْرُ خَارِجِينَ مَعَهُ بِخِلَافِ الْآخَرِينَ فَكَانُوا مَحْسُوبِينَ فِي جُمْلَةِ الْجَيْشِ. وتخلّفهم أشدّ إِضْرَار لِأَنَّهُ قَدْ يَفُلُّ مِنْ حِدَّةِ كَثِيرٍ مِنَ الْغُزَاةِ.
وَجُمْلَةُ: سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مُسْتَأْنَفَةٌ لِابْتِدَاءِ وَعِيدٍ.
وَضَمِيرُ مِنْهُمْ يَعُودُ إِلَى الْمَذْكُورِينَ فَهُوَ شَامِلٌ لِلَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهَ وَلِمَنْ كَانَ عُذْرُهُ نَاشِئًا عَنْ نِفَاقٍ وَكَذِبٍ.
وَتَنْكِيرُ عَذَابٍ لِلتَّهْوِيلِ وَالْمُرَادُ بِهِ عَذَاب جهنّم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute