مُعَادٍ
وَهُوَ قَوْلُهُ: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التَّوْبَة: ٩٠] فَإِنَّهُمْ فَرِيقٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَهُمُ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا بَعْدَ رُجُوعِ النَّاسِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَجُعِلَ الْمُسْنَدُ فِعْلًا مُضَارِعًا لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ وَالتَّكْرِيرِ.
وإِذا هُنَا مُسْتَعْمَلَةٌ لِلزَّمَانِ الْمَاضِي لِأَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْقُفُولِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَجُعِلَ الرُّجُوعُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرِ عِنْدَ الرُّجُوعِ.
وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَقْصِدُونَ بِأَعْذَارِهِمْ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِيدُونَهَا مَعَ جَمَاعَاتِ الْمُسْلِمِينَ. وَالنَّهْيُ فِي قَوْلِهِ: لَا تَعْتَذِرُوا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّأْيِيسِ.
وَجُمْلَةُ: لَنْ نُؤْمِنَ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ عَنِ الِاعْتِذَارِ لِعَدَمِ جَدْوَى الِاعْتِذَارِ، يُقَالُ: آمَنَ لَهُ إِذَا صَدَّقَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٦١] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَجُمْلَةُ: قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ تَصْدِيقِهِمْ، أَيْ قَدْ نَبَّأْنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ بِمَا يَقْتَضِي تَكْذِيبَكُمْ، فَالْإِبْهَامُ فِي الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِ نَبَّأَنَا السَّادِّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْنِ تَعْوِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقَامَ يُبَيِّنُهُ.
ومِنْ اسْمٌ بِمَعْنَى بَعْضٍ، أَوْ هِيَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: قَدْ نَبَّأْنَا اللَّهُ الْيَقِينَ مِنْ أَخْبَارِكُمْ.
وَجُمْلَةُ: وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ لَا تَعْتَذِرُوا، أَيْ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِذَارِكُمْ فَإِنْ خَشِيتُمُ الْمُؤَاخَذَةَ فَاعْمَلُوا الْخَيْرَ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ إِنْ أَحْسَنْتُمْ فَالْمَقْصُودُ فَتْحُ بَابِ التَّوْبَةِ لَهُمْ، وَالتَّنْبِيهُ إِلَى الْمِكْنَةِ مِنِ اسْتِدْرَاكِ أَمْرِهِمْ. وَفِي ذَلِكَ تَهْدِيدٌ بِالْوَعِيدِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا.
فَالْإِخْبَارُ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَمَلَهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْكِنَايَةِ عَنِ التَّرْغِيبِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّرْهِيبِ مِنَ الدَّوَامِ عَلَى حَالِهِمْ. وَالْمُرَادُ: تُمَكُّنُهُمْ مِنْ إِصْلَاحِ ظَاهِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute