وَهَذَا إِخْبَارٌ بِمَا سَيُلَاقِي بِهِ الْمُنَافِقُونَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَبَعْدَ رُجُوعِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْغَزْوِ.
وإِذا هُنَا ظَرْفٌ لِلزَّمَنِ الْمَاضِي. وَحَذْفُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِظُهُورِهِ، وَلِتَقَدُّمِ نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ: وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ [التَّوْبَة: ٤٢] إِلَّا أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي حَلِفِهِمْ قَبْلَ الْخُرُوجِ.
وَالِانْقِلَابُ: الرُّجُوعُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فِي آلِ عِمْرَانَ [١٤٤] .
وَصَرَّحَ بِعِلَّةِ الْحَلِفِ هُنَا أَنَّهُ لِقَصْدِ إِعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ، أَيْ عَنْ عِتَابِهِمْ وَتَقْرِيعِهِمْ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ تَطْيِيبَ خَوَاطِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ أَرَادُوا التَّمَلُّصَ مِنْ مَسَبَّةِ الْعِتَابِ وَلَذْعِهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ
[التَّوْبَة: ٦٢] يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ [التَّوْبَة: ٩٦] لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى الْغَزْوِ فَلَمَّا فَاتَ الْأَمْرُ وَعَلِمُوا أَنَّ حَلِفَهُمْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُسْلِمُونَ صَارُوا يَحْلِفُونَ لِقَصْدِ أَنْ يُعْرِضَ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ.
وَأُدْخِلَ حَرْفُ (عَنْ) عَلَى ضَمِيرِ الْمُنَافِقِينَ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ لِظُهُورِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْإِعْرَاضَ عَنْ لَوْمِهِمْ. فَفِي حَذْفِ الْمُضَافِ تَهْيِئَةٌ لِتَفْرِيعِ التَّقْرِيعِ الْوَاقِعِ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ:
فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ، أَيْ فَإِذَا كَانُوا يَرُومُونَ الْإِعْرَاضَ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ تَمَامًا.
وَهَذَا ضَرْبٌ مِنَ التَّقْرِيعِ فِيهِ إِطْمَاعٌ لِلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ الطَّالِبِ بِأَنَّهُ أُجِيبَتْ طِلْبَتُهُ حَتَّى إِذَا تَأَمَّلَ وَجَدَ مَا طَمِعَ فِيهِ قَدِ انْقَلَبَ عَكْسَ الْمَطْلُوبِ فَصَارَ يَأْسًا لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا الْإِعْرَاضَ عَنِ الْمُعَاتَبَةِ بِالْإِمْسَاكِ عَنْهَا وَاسْتِدَامَةِ مُعَامَلَتِهِمْ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا بِهِمْ يُوَاجَهُونَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ مُكَالَمَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ وَذَلِكَ أَشَدُّ مِمَّا حَلَفُوا للتفادي عَنهُ. فهم مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ أَوْ مِنَ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ.
وَجُمْلَةُ: إِنَّهُمْ رِجْسٌ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالْإِعْرَاضِ. وَوُقُوعُ (إِنَّ) فِي أَوَّلِهَا مُؤْذِنٌ بِمَعْنَى التَّعْلِيلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute