وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ مُرْجَوْنَ بِسُكُونِ الْوَاوِ بِدُونِ هَمْزٍ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَرْجَاهُ بِالْأَلِفِ، وَهُوَ مُخَفَّفُ أَرْجَأَهُ بِالْهَمْزِ إِذَا أَخَّرَهُ، فَيُقَالُ فِي مُضَارِعِهِ الْمُخَفَّفِ: أَرْجَيْتُهُ بِالْيَاءِ، كَقَوْلِهِ: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [الْأَحْزَاب: ٥١] بِالْيَاءِ، فَأَصْلُ مُرْجَوْنَ مُرْجَيُونَ. وَقَرَأَ الْبَقِيَّة مُرْجَوْنَ بِهَمْزٍ بَعْدَ الْجِيمِ عَلَى أَصْلِ الْفِعْل كَمَا قرىء ترجيء من تشَاء [الْأَحْزَاب: ٥١] . وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِأَمْرِ اللَّهِ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ مُؤَخَّرُونَ لِأَجْلِ أَمْرِ اللَّهِ فِي شَأْنِهِمْ. وَفِيهِ حَذْفٌ مُضَافٌ، تَقْدِيرُهُ: لِأَجْلِ انْتِظَارِ
أَمْرِ اللَّهِ فِي شَأْنِهِمْ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ مُشْعِرٌ بِانْتِظَارِ شَيْءٍ.
وَجُمْلَةُ: إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِ خَبَرِهَا وَهُوَ لِأَمْرِ اللَّهِ، أَيْ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ إِمَّا تَعْذِيبُهُمْ، وَإِمَّا تَوْبَتُهُ عَلَيْهِمْ.
وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ تَابُوا.
وَالتَّعْذِيبُ مُفِيدٌ عَدَمَ قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ حِينَئِذٍ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ ذَنَبٍ كَبِيرٍ.
وَذَنْبُهُمْ هُوَ التَّخَلُّفُ عَنِ النَّفِيرِ الْعَامِّ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التَّوْبَة: ٣٨] الْآيَةَ. وَقَبُولُ التَّوْبَةِ عَمَّا مَضَى فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ.
وإِمَّا حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ. وَمَعْنَاهَا قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى (أَوِ) الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ، إِلَّا أَنَّ (إِمَّا) تَدْخُلُ عَلَى كِلَا الِاسْمَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَ مَدْلُولَيْهِمَا وَتَحْتَاجُ إِلَى أَنْ تُتْلَى بِالْوَاوِ، وَ (أَوْ) لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى ثَانِي الِاسْمَيْنِ. وَكَانَ التَّسَاوِي بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مَعَ (إِمَّا) أَظْهَرَ مِنْهُ مَعَ (أَوْ) لِأَنَّ (أَوْ) تُشْعِرُ بِأَنَّ الِاسْمَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مَقْصُودٌ ابْتِدَاءً. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا يَا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١١٥] .
ويُعَذِّبُهُمْ- ويَتُوبُ عَلَيْهِمْ فِعْلَانِ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ حُذِفَتْ (أَنِ) الْمَصْدَرِيَّةُ مِنْهُمَا فَارْتَفَعَا كَارْتِفَاعِ قَوْلِهِمْ: «تَسْمَعُ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ» لِأَنَّ مَوْقِعَ مَا بَعْدَ (إِمَّا) لِلِاسْمِ نَحْوَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ [مَرْيَم: ٧٥] وإِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً [الْكَهْف: ٨٦] .
وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تَذْيِيلٌ مُنَاسِبٌ لِإِبْهَامِ أَمْرِهِمْ عَلَى النَّاسِ، أَيْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، مُحْكَمٌ تَقْدِيرُهُ حِينَ تَتَعَلَّقُ بِهِ إِرَادَته.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute