للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَوَجْهُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ أَنَّ صَلَاةَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ تُكْسِبُهُ يُمْنًا وَبَرَكَةً فَلَا يَرَى الْمُسْلِمُونَ لِمَسْجِدِ قُبَاءَ مَزِيَّةً عَلَيْهِ فَيَقْتَصِرُ بَنُو غُنْمٍ وَبَنُو سَالِمٍ عَلَى الصَّلَاةِ فِيهِ لِقُرْبِهِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ، وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ غَرَضُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ وَضْعِهِ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. فَلَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مُفْضِيَةً إِلَى تَرْوِيجِ مَقْصِدِهِمُ الْفَاسِدِ صَارَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إِلَى مَفْسَدَةٍ فَتَوَجَّهَ النَّهْيُ إِلَيْهِ. وَهَذَا لَا يَطَّلِعُ عَلَى مِثْلِهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا النَّهْيُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَمَّا نُهِيَ النَّبِيءُ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سَلَبَ عَنْهُ وَصْفَ الْمَسْجِدِيَّةِ فَصَارَتِ الصَّلَاةُ فِيهِ بَاطِلَةً لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ

أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَوَحْشِيًّا مَوْلَى الْمُطْعَمِ بْنِ عَدِيٍّ وَمَالِكَ بْنَ الدَّخْشَمِ وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ فَقَالَ: «انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمُوهُ وَحَرِّقُوهُ» ، فَفَعَلُوا

. وَتَحْرِيقُهُ تَحْرِيقُ الْأَعْوَادِ الَّتِي يُتَّخَذُ مِنْهَا السَّقْفُ، وَالْجُذُوعِ الَّتِي تُجْعَلُ لَهُ أَعْمِدَةً.

وَقَوْلُهُ: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ احْتِرَاسٌ مِمَّا يَسْتَلْزِمُهُ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ مِنْ إِضَاعَةِ عِبَادَةٍ فِي الْوَقْتِ الَّذِي رَغَّبُوهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي دَعَوْهُ فِيهِ لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِهِ أَوْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ، لِئَلَّا يَكُونَ لِامْتِنَاعِهِ مِنَ الصَّلَاةِ مِنْ حُظُوظِ الشَّيْطَانِ أَنْ يَكُونَ صَرْفُهُ عَنْ صَلَاةٍ فِي وَقْتٍ دُعِيَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَهَذَا أَدَبٌ نَفْسَانِيٌّ عَظِيمٌ.

وَفِيهِ أَيْضًا دَفْعُ مَكِيدَةِ الْمُنَافِقِينَ أَنْ يَطْعَنُوا فِي الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ دُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي

مَسْجِدِهِمْ فَامْتَنَعَ، فَقَوْلُهُ: أَحَقُّ وَإِنْ كَانَ اسْمَ تَفْضِيلِ فَهُوَ مَسْلُوبُ الْمُفَاضَلَةِ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ أَزَالَ كَوْنَهُ حَقِيقًا بِصَلَاتِهِ فِيهِ أَصْلًا.

وَلَعَلَّ نُكْتَةَ الْإِتْيَانِ بِاسْمِ التَّفْضِيلِ أَنَّهُ تَهَكُّمٌ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِمُجَازَاتِهِمْ ظَاهِرًا فِي دَعْوَتِهِمُ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَقِيقًا بِصَلَاتِهِ بِمَسْجِدٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى أَحَقُّ مِنْهُ، فَيُعْرَفُ مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى أَنَّ هَذَا أُسِّسَ عَلَى ضِدِّهَا.