كِنَايَةً بِهِ عَنِ الْإِنْكَارِ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُنْكَرَ يُسْتَفْهَمُ عَنْ حُصُولِهِ فَاسْتِعْمَالُ الِاسْتِفْهَامِ فِي الْإِنْكَارِ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ، وَمِثْلُهُ لَا يُجَابُ بِشَيْءٍ غَالِبًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الِاسْتِعْلَامُ. وَقَدْ يُلَاحَظُ فِيهِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ فَيُجَابُ بِجَوَابٍ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْكِنَائِيَّ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النَّبَإِ: ١، ٢] .
وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: بِهذا مُفِيدَةٌ لِلتَّحْقِيرِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ كَقَوْلِهِ: أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ [الْأَنْبِيَاء: ٣٦] .
وَانْتَصَبَ قَوْلُهُ: مَثَلًا عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ (هَذَا) لِأَنَّهُ مُبْهَمٌ فَحُقَّ لَهُ التَّمْيِيزُ وَهُوَ نَظِيرُ التَّمْيِيزِ لِلضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِمْ «رُبَّهُ رَجُلًا» .
يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ
عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧) .
بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لِلْجُمْلَتَيْنِ الْمُصَدَّرَتَيْنِ بِأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ النَّشْرِ الْمَعْكُوسِ لِأَنَّ مَعْنَى هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمَا مَعْنَى الْجُمْلَتَيْنِ السَّالِفَتَيْنِ إِجْمَالًا فَإِنَّ عِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ هُدًى، وَقَوْلَ الْكَافِرِينَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ الْخَ ضَلَالٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُهُ:
يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِ الَّذِينَ كَفَرُوا مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اسْتِفْهَامًا حَقِيقِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ جَوَابًا عَنِ اسْتِفْهَامِهِمْ تَخْرِيجًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ بِحَمْلِ اسْتِفْهَامِهِمْ عَلَى ظَاهِرِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ اللَّائِقَ بِهِمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ حِكْمَةِ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِتِلْكَ الْأَمْثَالِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً جَوَابًا لَهُمْ وَرَدًّا عَلَيْهِمْ وَبَيَانًا لِحَالِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي قَبْلَهُ مَكْنِيٌّ بِهِ عَنِ الْإِنْكَارِ كَمَا عَلِمْتَهُ آنِفًا مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ جَمْعِ الْمَعْنَيَيْنِ الْكِنَائِيِّ وَالْأَصْلِيِّ. وَكَوْنُ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْمُضَلَّلِ وَالْمَهْدِيِّ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ، لَا يُنَافِي نَحْوَ قَوْلِهِ: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: ١٣] لِأَنَّ قُوَّةَ الشُّكْرِ الَّتِي اقْتَضَاهَا صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ، أَخَصُّ فِي الِاهْتِدَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute