لِلْعِبَادَةِ نَظِيرَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] بَعْدَ قَوْلِهِ: لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ إِلَى قَوْلِهِ: هُمْ يُوقِنُونَ [الْبَقَرَة: ٢- ٤] .
وَفُرِّعَ عَلَى كَوْنِهِ رَبَّهُمْ أَنْ أُمِرُوا بِعِبَادَتِهِ، وَالْمُفَرَّعُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْجُمْلَةِ وَمَا قَبْلَهُ مُؤَكِّدٌ لِجُمْلَةِ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ تَأْكِيدًا بِفَذْلَكَةٍ وَتَحْصِيلٍ. وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ إِلَى قَوْلِهِ:
فَاعْبُدُوهُ، كَقَوْلِهِ: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يُونُس: ٥٨] إِذْ وَقَعَ قَوْلُهُ (فَبِذَلِكَ) تَأْكِيدًا لِجُمْلَةِ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ. وَأُوقِعُ بَعْدَهُ الْفَرْعُ وَهُوَ (فَلْيَفْرَحُوا) . وَالتَّقْدِيرُ:
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَلْيَفْرَحُوا بِذَلِكَ.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْعِبَادَةِ الْعِبَادَةُ الْحَقُّ الَّتِي لَا يُشْرَكُ مَعَهُ فِيهَا غَيْرُهُ، بِقَرِينَةِ تَفْرِيعِ الْأَمْرِ بِهَا عَلَى الصِّفَاتِ الْمُنْفَرِدِ بِهَا اللَّهُ دُونَ مَعْبُودَاتِهِمْ.
وَجُمْلَةُ: أَفَلا تَذَكَّرُونَ ابْتِدَائِيَّةٌ لِلتَّقْرِيعِ. وَهُوَ غَرَضٌ جَدِيدٌ، فَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ، فَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ لِانْتِفَاءِ تَذَكُّرِهِمْ إِذْ أَشْرَكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ وَلَمْ يَتَذَكَّرُوا فِي أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِخَلْقِ الْعَوَالِمِ وَبِمُلْكِهَا وَبِتَدْبِيرِ أَحْوَالِهَا.
وَالتَّذَكُّرُ: التَّأَمُّلُ. وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى ذِكْرِ الْعَقْلِ لِمَعْقُولَاتِهِ، أَيْ حَرَكَتِهِ فِي مَعْلُومَاتِهِ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ التَّفَكُّرِ إِلَّا أَنَّ التَّذَكُّرَ لَمَّا كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ مَادَّةِ الذِّكْرِ الَّتِي هِيَ فِي الْأَصْلِ جَرَيَانُ اللَّفْظِ عَلَى اللِّسَانِ، وَالَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا أَيْضًا عَنْ خُطُورِ الْمَعْلُومِ فِي الذِّهْنِ بَعْدَ سَهْوِهِ وَغَيْبَتِهِ عَنْهُ كَانَ مُشْعِرًا بِأَنَّهُ حَرَكَةُ الذِّهْنِ فِي مَعْلُومَاتٍ مُتَقَرِّرَةٍ فِيهِ مِنْ قَبْلُ.
فَلِذَلِكَ أُوثِرَ هُنَا دُونَ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [الْبَقَرَة: ٢١٩] لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ تَقَرَّرَ فِي النُّفُوسِ بِالْفِطْرَةِ، وَبِمَا تَقَدَّمَ لَهُمْ مِنَ الدَّعْوَةِ وَالْأَدِلَّةِ فَيَكْفِي فِي الِاسْتِدْلَالِ مُجَرَّدُ إِخْطَارِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ فِي البال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute