النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مُوحًى إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
فَهُمْ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَضَعَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ جَعَلُوا مِنْ تَكْذِيبِهِمْ أَنْ يَقُولُوا لَهُ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ إِطْمَاعًا لَهُ بِأَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ مُغَايِرًا أَوْ مُبَدَّلًا إِذَا وَافَقَ هَوَاهُمْ.
وَمَعْنَى غَيْرِ هَذَا مُخَالِفُهُ. وَالْمُرَادُ الْمُخَالَفَةُ لِلْقُرْآنِ كُلِّهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَابْتِدَاءِ كِتَابٍ آخَرَ بِأَسَالِيبَ أُخْرَى، كَمِثْلِ كُتُبِ قَصَصِ الْفُرْسِ وَمَلَاحِمِهِمْ إِذْ لَا يَحْتَمِلُ كَلَامُهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ، إِذْ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنْ يَأْتِيَ بِسُوَرٍ أُخْرَى غَيْرِ الَّتِي نَزَلَتْ مِنْ قَبْلُ لِأَنَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ، وَلَا غَرَضَ لَهُمْ فِيهِ إِذَا كَانَ مَعْنَاهَا مِنْ نَوْعِ مَا سَبَقَهَا.
وَوَصَفَ الْآيَاتِ بِ بَيِّناتٍ لِزِيَادَةِ التَّعْجِيبِ مِنْ طَلَبِهِمْ تَبْدِيلَهَا لَا بِطَلَبِ تَبْدِيلِهِ إِذْ لَا طَمَعَ فِي خَيْرٍ مِنْهُ.
وَالتَّبْدِيلُ: التَّغْيِيرُ. وَقَدْ يَكُونُ فِي الذَّوَاتِ، كَمَا تَقُولُ: بَدَّلْتُ الدَّنَانِيرَ دَرَاهِمَ. وَيَكُونُ فِي الْأَوْصَافِ، كَمَا تَقُولُ: بَدَّلْتُ الْحَلَقَةَ خَاتَمًا. فَلَمَّا ذَكَرَ الْإِتْيَانَ بِغَيْرِهِ مِنْ قَبْلُ تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّبْدِيلِ الْمَعْنَى الْآخَرُ وَهُوَ تَبْدِيلُ الْوَصْفِ، فَكَانَ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ فِي قَوْلِهِمْ: غَيْرِ هَذَا كَلَامًا غَيْرَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ قَبْلُ لَا يَكُونُ فِيهِ مَا يَكْرَهُونَهُ وَيَغِيظُهُمْ. وَالْمُرَادُ بِالتَّبْدِيلِ أَنْ يَعْمِدَ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَوْجُودِ فَيُغَيِّرَ الْآيَاتِ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى عِبَارَاتِ ذَمِّ الشِّرْكِ بِمَدْحِهِ، وَعِبَارَاتِ ذَمِّ أَصْنَامِهِمْ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهَا، وَعِبَارَاتِ الْبَعْثِ وَالنَّشْرِ بِضِدِّهَا، وَعِبَارَاتِ الْوَعِيدِ لَهُمْ بِعِبَارَاتِ بِشَارَةٍ.
وَسَمَّوْا مَا طَلَبُوا الْإِتْيَانَ بِهِ قُرْآنًا لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنِ الْمُسَمَّى بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ عَلَمٌ عَلَى الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيِ ائْتِ بِغَيْرِ هَذَا مِمَّا تُسَمِّيهِ قُرْآنًا.
وَالضَّمِيرُ فِي بَدِّلْهُ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ، أَيْ أَوْ بَدِّلْ هَذَا. وَأَجْمَلَ الْمُرَادَ بِالتَّبْدِيلِ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ السَّامِعِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute