ارْتِكَابِ جَرِيمَةٍ عَظِيمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ إِطْلَاقًا عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ بِالتَّشْبِيهِ الْمُفِيدِ لِتَشْنِيعِ ارْتِكَابِ مَا هُوَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْكُفْرِ وَلَكِنَّ بَعْضَ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ يَتَشَبَّثُونَ بِظَاهِرِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ فَيَقْضُونَ بِالْكُفْرِ عَلَى مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ فِي إِطْلَاقَاتِ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَفِرَقُ الْمُسْلِمِينَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ ارْتِكَابَ بَعْضِ الْأَعْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا يَدْخُلُ فِي مَاهِيَّةِ الْكُفْرِ وَفِي أَنَّ إِثْبَاتَ بعض الصِّفَات الله تَعَالَى أَوْ نَفْيَ بَعْضِ الصِّفَاتِ عَنْهُ تَعَالَى دَاخِلٌ فِي مَاهِيَّةِ الْكُفْرِ عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى.
وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذَنْبٍ أَوْ ذُنُوبٍ مِنَ الْكَبَائِرِ فَقَدِ ارْتُكِبَتِ الذُّنُوبُ الْكَبَائِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ فَلَمْ يُعَامِلُوا الْمُجْرِمِينَ مُعَامَلَةَ الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الدِّينِ، وَالْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ الْعُصَاةِ خَطَرٌ عَلَى الدِّينِ لِأَنَّهُ يَؤُولُ إِلَى انْحِلَالِ جَامِعَةِ الْإِسْلَامِ وَيُهَوِّنُ عَلَى الْمُذْنِبِ الِانْسِلَاخَ مِنَ الْإِسْلَامِ مُنْشِدًا «أَنَا الْغَرِيقُ فَمَا خَوْفِي مِنَ الْبَلَلِ» .
وَلَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ بِإِثْبَاتِ صِفَةٍ لِلَّهِ لَا تُنَافِي كَمَالَهُ وَلَا نَفَى صِفَةً عَنْهُ لَيْسَ فِي نَفْيِهَا نُقْصَانٌ لِجَلَالِهِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْفِرَقِ نَفَوْا صِفَاتٍ مَا قَصَدُوا بِنَفْيِهَا إِلَّا إِجْلَالًا لِلَّهِ تَعَالَى وَرُبَّمَا أَفْرَطُوا فِي ذَلِكَ كَمَا نَفَى الْمُعْتَزِلَةُ صِفَاتِ الْمَعَانِي وَجَوَازَ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفَرْقِ أَثْبَتُوا
صِفَاتٍ مَا قَصَدُوا مِنْ إِثْبَاتِهَا إِلَّا احْتِرَامَ ظَوَاهِرِ كَلَامِهِ تَعَالَى كَمَا أَثْبَتَ بَعْضُ السَّلَفِ الْيَدَ وَالْإِصْبَعَ مَعَ جَزْمِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُشْبِهُ الْحَوَادِثَ.
وَالْإِيمَانُ ذُكِرَ مَعْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [الْبَقَرَة: ٣] .
وَقَوْلُهُ: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَهِيَ تَخْلُصُ إِلَى بَيَانِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ (كَيْفَ) بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَبَيَانِ أُولَى الدَّلَائِلِ عَلَى وُجُودِهِ وَقُدْرَتِهِ وَهِيَ مَا يَشْعُرُ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ عَدَمٍ.
وَلَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ أَنَّ هَذَا الْإِيجَادَ عَلَى حَالٍ بَدِيعٍ وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ كَانَ مُرَكَّبَ أَشْيَاءٍ مَوْصُوفًا بِالْمَوْتِ أَيْ لَا حَيَاةَ فِيهِ إِذْ كَانَ قَدْ أُخِذَ مِنَ الْعَنَاصِرِ الْمُتَفَرِّقَةِ فِي الْهَوَاءِ وَالْأَرْضِ فَجَمَعَتْ فِي الْغِذَاءِ وَهُوَ مَوْجُودٌ ثَانٍ مَيِّتٌ ثُمَّ اسْتُخْلِصَتْ مِنْهُ الْأَمْزِجَةُ مِنَ الدَّمِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ مَيْتَةٌ، ثُمَّ اسْتُخْلِصَ مِنْهُ النُّطْفَتَانِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، ثُمَّ امْتَزَجَ فَصَارَ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً كُلُّ هَذِهِ أَطْوَارِ أَوَّلِيَّةٌ لِوُجُودِ الْإِنْسَانِ وَهِيَ مَوْجُودَاتٌ مَيِّتَةٌ ثُمَّ بُثَّتْ فِيهِ الْحَيَاةُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فَأَخَذَ فِي الْحَيَاةِ إِلَى وَقْتِ الْوَضْعِ فَمَا بَعْدَهُ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَكْتَفُوا بِهِ دَلِيلًا عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ.
وَإِطْلَاقُ الْأَمْوَاتِ هُنَا مَجَازٌ شَائِعٌ بِنَاءً عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute