للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالشُّرَكَاءُ: الْأَصْنَامُ. وُصِفُوا بِالشُّرَكَاءِ لِاعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ أُضِيفَ إِلَى ضَمِيرِهِمْ، أَيْ أَنْتُمْ وَالَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ. فَإِضَافَةُ شُرَكَاءَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ تَهَكُّمٌ.

وَعُطِفَ فَزَيَّلْنا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ لِإِفَادَةِ حُصُولِ ذَلِكَ فِي عَقِبِ وَقْتِ الْأَمْرِ بِاللَّبْثِ.

وَلَمَّا كَانَتِ الْفَاءُ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ الزَّمَنِيَّ فِي حُصُولِ مَعْطُوفِهَا إِثْرَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَكَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ التَّزْيِيلَ حَصَلَ مُقَارِنًا لِإِلْزَامِهِمُ الْمَكَانَ عُبِّرَ عَنْ فِعْلِ التَّزْيِيلِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِإِفَادَةِ تَحْقِيقِ وُقُوعِ التَّزْيِيلِ كَقَوْلِهِ: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: ١] .

وَزَيَّلَ: مُضَاعَفُ زَالَ الْمُتَعَدِّي. يُقَالُ: زَالَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ يَزِيلُهُ بِمَعْنَى أَزَالَهُ فَجَعَلُوهُ يَائِيَّ الْعَيْنِ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَالَ الْقَاصِرِ الَّذِي هُوَ وَاوِيُّ الْعَيْنِ، فَزَيَّلَ فِعْلٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّيْلِ مِثْلَ فَرَّقَ مُبَالَغَةً فِي فَرَقَ. وَالْمَعْنَى وَقَعَ بَيْنَهُمْ تَفْرِيقٌ قَوِيٌّ بِحَيْثُ انْقَطَعَتْ جَمِيعُ الْوُصَلِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ. وَالتَّزْيِيلُ هُنَا مَجَازِيٌّ فَيَشْمَلُ اخْتِلَافَ الْقَوْلِ.

وَتَعْلِيقُ التَّزْيِيلِ بِالْأَصْنَامِ بِاعْتِبَارِ خَلْقِ مَعْنَاهُ فِيهَا حِينَ أَنْطَقَهَا اللَّهُ بِمَا يُخَالِفُ زَعْمَ عِبَادِهَا.

وَجُمْلَةُ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: فَزَيَّلْنا فَهُوَ فِي حَيِّزِ التَّعْقِيبِ، وَيَجُوزُ جَعْلُهَا حَالًا.

وَيَقُولُ الشُّرَكَاءُ هَذَا الْكَلَامُ بِخَلْقِ نُطْقٍ فِيهَا خَارِقٍ لِلْعَادَةِ يَفْهَمُهُ النَّاسُ لِإِشْعَارِ أُولَئِكَ الْعَابِدِينَ بِأَن أصنامهم تبرأوا مِنْهُمْ، وَذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُهُمْ نَدَامَةً. وَكَلَامُ الْأَصْنَامِ يُفِيدُ نَفْيَ أَنْ يَكُونُوا عَبَدُوهُمْ بَلْ عَبَدُوا غَيْرَهُمْ. وَفِي اسْتِقَامَةِ ذَلِكَ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّهُمْ عَبَدُوهُمْ وَعَبَدُوا غَيْرَهُمْ فَكَيْفَ يَنْفِي كَلَامُهُمْ عِبَادَتَهُمْ إِيَّاهُمْ وَهُوَ كَلَامٌ خَلَقَهُ اللَّهُ فِيهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ كَذِبًا. وَقَدْ تَأَوَّلَ الْمُفَسِّرُونَ هَذَا بِوُجُوهٍ لَا يَنْثَلِجُ لَهَا الصَّدْرُ.

وَالَّذِي ظَهَرَ لِي أَنْ يَكُونَ آخِرُ كَلَامِ الْأَصْنَامِ مُبَيِّنًا لِمَا أَجْمَلَهُ أَوَّلُهُ بِأَنَّهُمْ نَفَوْا أَنْ يَكُونُوا عَبَدُوهُمْ عِبَادَةً كَامِلَةً وَهِيَ الْعِبَادَةُ الَّتِي يَقْصِدُ مِنْهَا الْعَابِدُ امْتِثَالَ أَمْرِ الْمَعْبُودِ وَإِرْضَاءَهُ فَتَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْبُودُ عَالِمًا وَآمِرًا بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ. وَلَمَّا كَانَتِ الْأَصْنَامُ غَيْرَ