للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُلُولُ الْحَوَادِثِ عَنْ أَحَدِهِمَا، عَلَى أَنَّهُ تَرْدِيدٌ لِمَعْنَى الْعَذَابِ الْعَاجِلِ تَعْجِيلًا قَرِيبًا أَوْ أَقَلَّ قُرْبًا، أَيْ أَتَاكُمْ فِي لَيْلِ هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي سَأَلْتُمُوهُ أَوْ فِي صَبِيحَتِهِ، عَلَى أَنَّ فِي ذِكْرِ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ تَخْيِيلًا مَا لِصُورَةِ وُقُوعِ الْعَذَابِ اسْتِحْضَارًا لَهُ لَدَيْهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ تَذْكِيرُهُمُ انْتِهَازًا لِفُرْصَةِ الْمَوْعِظَةِ، كَالتَّذْكِيرِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [الْأَنْعَام: ٤٧] .

وَالْبَيَاتُ: اسْمُ مَصْدَرِ التَّبْيِيتِ، لَيْلًا كَالسَّلَامِ لِلتَّسْلِيمِ، وَذَلِكَ مُبَاغَتَةً. وَانْتَصَبَ بَياتاً عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ وَقْتَ بَيَاتٍ.

وَجَوَابُ شَرْطِ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ

الْمُجْرِمُونَ

الَّذِي هُوَ سَادٌّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ (أَرَأَيْتُمْ) إِذْ عَلَّقَهُ عَنِ الْعَمَل الِاسْتِفْهَام ب (مَاذَا) .

وَمَاذَا كَلِمَتَانِ هُمَا (مَا) الاستفهامية و (إِذا) . أَصْلُهُ إِشَارَةٌ مُشَارٌ بِهِ إِلَى مَأْخُوذٍ مِنَ الْكَلَامِ الْوَاقِعِ بَعْدَهُ. وَاسْتُعْمِلَ (ذَا) مَعَ (مَا) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ فِي مَعْنَى الَّذِي لِأَنَّهُمْ يُرَاعُونَ لَفْظَ الَّذِي مَحْذُوفًا. وَقَدْ يَظْهَرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الْبَقَرَة: ٢٥٥] .

وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَفِي التَّعْجِيبِ مِنْ تَعَجُّلِهِمُ الْعَذَابَ بِنِيَّةِ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِهِ عِنْدَ نُزُولِهِ.

وَ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ. وَالْمَعْنَى مَا الَّذِي يَسْتَعْجِلُهُ الْمُجْرِمُونَ مِنَ الْعَذَابِ، أَيْ لَا شَيْءَ مِنَ الْعَذَابِ بِصَالِحٍ لِاسْتِعْجَالِهِمْ إِيَّاهُ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ مُهْلِكٌ حَائِلٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْإِيمَانِ وَقْتَ حُلُولِهِ.

وَفَائِدَةُ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ، تَهْوِيلُهُ أَوْ تَعْظِيمُهُ أَوِ التَّعْجِيبُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا [الْبَقَرَة: ٢٦] ، فَالْمَعْنَى مَا هَذَا الْعَذَابُ الْعَظِيمُ فِي حَالِ كَوْنِهِ يَسْتَعْجِلُهُ الْمُجْرِمُونَ، فَجُمْلَةُ يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، أَيْ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يُسْتَعْجَلُ بَلْ شَأْنُهُ أَنْ يُسْتَأْخَرَ.

وَ (مِنْ) بَيَانِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى مَعَهَا عَلَى مَعْنَى مَا يُسَمَّى فِي فَنِّ الْبَدِيعِ بِالتَّجَرُّدِ.