فَكَانَ افْتِتَاحُهُ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُتَوَحِّدُ بِمُلْكِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِي النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَصَرُّفًا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فَتَصَرُّفُهُ فِي أُمُورِ السَّمَاءِ شَامِلٌ لِلْمُغَيَّبَاتِ كُلِّهَا، وَمِنْهَا إِظْهَارُ الْجَزَاءِ بِدَارِ الثَّوَابِ وَدَارِ الْعَذَابِ وَتَصَرُّفُهُ فِي أُمُورِ الْأَرْضِ شَامِلٌ لِتَصَرُّفِهِ فِي النَّاسِ. ثُمَّ أَعْقَبَ بِتَحْقِيقِ وَعْدِهِ، وَأَعْقَبَ بِتَجْهِيلِ مُنْكِرِيهِ، وَأَعْقَبَ بِالتَّصْرِيحِ بِالْمُهِمِّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِمَاتَةُ وَالْبَعْثُ.
وَافْتُتِحَ هَذَا التَّذْيِيلُ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ، وَأُعِيدَ فِيهِ حَرْفُ التَّنْبِيهِ لِلِاسْتِيعَاءِ لِسَمَاعِهِ، وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ جَامِعٌ هُوَ حَوْصَلَةُ الْغَرَضِ الَّذِي سَمِعُوا تَفْصِيلَهُ آنِفًا.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ إِنَّ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ فَقَدْ جَعَلُوهَا غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِلَّهِ. وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى لِأَنَّ ذَلِكَ اضْطِرَابٌ وَخَبْطٌ.
وَقُدِّمَ خَبَرُ إِنَّ عَلَى اسْمِهَا لِلِاهْتِمَامِ بِاسْمِهِ تَعَالَى وَلِإِفَادَةِ الْقَصْرِ لِرَدِّ اعْتِقَادِهِمُ
الشَّرِكَةَ كَمَا عَلِمْتَ.
وَأُكِدَّ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ بَعْدَ حَرْفِ التَّنْبِيهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، وَلِرَدِّ إِنْكَارِ مُنْكِرِي بَعْضِهِ وَالَّذِينَ هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْكِرِينَ بَعْضَهُ الْآخَرَ.
وَاللَّامُ فِي لِلَّهِ لِلْمِلْكِ، وَ (مَا) اسْمُ مَوْصُولٍ مُفِيدٌ لِعُمُومِ كُلِّ مَا ثَبَتَتْ لَهُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْخَفِيَّةِ.
وَوَعْدُ اللَّهِ: هُوَ وَعْدُهُ بِعَذَابِ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ وَعِيدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَعْدُهُ مُرَادًا بِهِ الْبَعْثُ، قَالَ تَعَالَى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ [الْأَنْبِيَاء: ١٠٤] فَسَمَّى إِعَادَةَ الْخَلْقِ وَعْدًا.
وَأَظْهَرَ اسْمَ الْجَلَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْإِتْيَانِ بِضَمِيرِهِ لِتَكُونَ الْجُمْلَة مُسْتَقلَّة لتجري مُجْرَى الْمَثَلِ وَالْكَلَامِ الْجَامِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute