عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا بِزَعْمِهِمْ فَمَنِ الَّذِي أَبْلَغَهُمْ تِلْكَ الشَّرَائِعَ عَن الله وَلماذَا تَقَبَّلُوهَا عَمَّنْ شَرَعَهَا لَهُمْ وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ وَهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَلْتَزِمُوا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ فَقَدِ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ فَلَزِمَهُمْ مَا أَلْصَقُوهُ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلِقَ بِهِمْ وَبَرَّأَ اللَّهُ مِنْهُ رَسُولَهُ، فَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ مِنَ الطَّرِيقِ الْمُسَمَّى بِالْقَلْبِ فِي عِلْمِ الْجَدَلِ.
ثُمَّ إِنَّ اخْتِيَارَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ تَشْرِيعِهِمْ فِي خُصُوصِ أَرْزَاقِهِمْ يَزِيدُ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ مُنَاسَبَةً بِآخِرِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ لِيَظْهَرَ مَا فِيهِ مِنْ حُسْنِ التَّخَلُّصِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ آخِرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ جُمْلَةُ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يُونُس: ٥٨] ، أَيْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَتِلْكَ الْأَمْوَالُ هِيَ الَّتِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا فَجَعَلُوا مِنْهَا حَلَالًا وَمِنْهَا حَرَامًا وَكَفَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِذْ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا أَعْطَاهُمْ رَبُّهُمْ، وَحَسْبُهُمْ بِذَلِكَ شَنَاعَةً بِهِمْ مُلْصَقَةً، وَأَبْوَابًا مِنَ الْخَيْرِ فِي وُجُوهِهِمْ مُغْلَقَةً.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَرَأَيْتُمْ وآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ تَقْرِيرِيٌّ بِاعْتِبَارِ إِلْزَامِهِمْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَذِنَ لَهُمْ، أَوْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ، وَقَدْ شِيبَ التَّقْرِيرُ فِي ذَلِكَ بِالْإِنْكَارِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.
وَالرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةٌ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ هُوَ الْمَفْعُول الأول ل (رَأَيْتُمْ) ، وَجُمْلَةُ
فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ إِلَخْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى صِلَةِ الْمَوْصُولِ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ، أَيِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ. وَالِاسْتِفْهَامُ فِي آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ مفعول ثَان ل (رَأَيْتُمْ) ، وَرَابِطُ الْجُمْلَةِ بِالْمَفْعُولِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: أَذِنَكُمْ بِذَلِكَ، دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا.
وقُلْ الثَّانِي تَأْكِيدٌ لِ قُلْ الْأَوَّلِ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْأُولَى وَجُمْلَةِ الِاسْتِفْهَامِ الثَّانِيَةِ لِزِيَادَةِ إِشْرَافِ الْأَسْمَاعِ عَلَيْهِ. وَهِيَ مُعَادَلَةٌ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّهَا بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْمَعْمُولَتَيْنِ لِفِعْلِ أَرَأَيْتُمْ. وَفِعْلُ الرُّؤْيَةِ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ فِي الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ التَّعْلِيقِ عَنِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي. وَزَعَمَ الرَّضِيُّ أَنَّ الرُّؤْيَةَ بَصَرِيَّةٌ. وَقَدْ بَسَطْتُ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ [٥٨، ٥٩] .
وأَمْ مُتَّصِلَةٌ وَهِيَ مُعَادِلَةٌ لِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ عَنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute