فَالْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّ اللَّهَ ضَمِنَ لِأَوْلِيَائِهِ أَنْ لَا يَحْصُلَ لَهُمْ مَا يَخَافُونَهُ وَأَنْ لَا يَحُلَّ بِهِمْ مَا يُحْزِنُهُمْ. وَلَمَّا كَانَ مَا يُخَافُ مِنْهُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحْزِنَ مَنْ يُصِيبُهُ كَانَ نَفْيُ الْحُزْنِ عَنْهُمْ مُؤَكِّدًا لِمَعْنَى نَفْيِ خَوْفِ خَائِفٍ عَلَيْهِمْ. وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ حَمَلُوا الْخَوْفَ وَالْحُزْنَ الْمَنْفِيَّيْنِ عَلَى مَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ الشَّقَاوَةِ فِي الْآخِرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَوْفَ وَالْحُزْنَ يَحْصُلَانِ فِي الدُّنْيَا، كَقَوْلِهِ: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى [طه: ٦٧] . وَقَدْ عَلِمْتَ مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَهُوَ يَبْعُدُ عَنْ مفَاد قَوْله: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ.
وَالْوَلِيُّ: الْمُوَالِي، أَيِ الْمُحَالِفُ وَالنَّاصِرُ. وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْوَلْيِ (بِسُكُونِ اللَّامِ) ، وَهُوَ الْقُرْبُ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْوَلِيِّ كُلُّهَا قُرْبٌ مَجَازِيٌّ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٤] . وَهُوَ قُرْبٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَلِذَلِكَ فَسَّرُوهُ هُنَا بِأَنَّهُ الَّذِي يَتَوَلَّى اللَّهَ بِالطَّاعَةِ وَيَتَوَلَّاهُ اللَّهُ بِالْكَرَامَةِ. وَقَدْ بَيَّنَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّقَوْا، فَاسْمُ الْمَوْصُولِ وَصِلَتُهُ خَبَرٌ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ، أَوْ يُجْعَلُ جُمْلَةُ: لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ خَبَرَ إِنَّ وَيُجْعَلُ اسْمُ الْمَوْصُولِ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ حَذْفًا جَارِيًا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ، كَمَا سَمَّاهُ السَّكَّاكِيُّ فِي حَذْفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ. وَأَيًّا مَا كَانَ فَهَذَا الْخَبَرُ يُفِيدُ أَنْ يَعْرِفَ السَّامِعُ كُنْهَ مَعْنَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ اعْتِنَاءً بِهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا قِيلَ فِي قَوْلِ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ:
الْأَلْمَعِيُّ الَّذِي يَظُنُّ بِكَ الظَّنَّ ... كَأَنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا
وَدَلَّ قَوْلُهُ: وَكانُوا يَتَّقُونَ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى مُلَازِمَةٌ لَهُمْ أَخْذًا مِنْ صِيغَةِ كانُوا وَأَنَّهَا مُتَجَدِّدَةٌ مِنْهُمْ أَخْذًا مِنْ صِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: يَتَّقُونَ. وَقَدْ كُنْتُ أَقُولُ فِي الْمُذَاكِّرَاتِ مُنْذُ سِنِينَ خَلَتْ فِي أَيَّامِ الطَّلَبِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هِيَ أَقْوَى مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ حَقِيقَةِ الْوَلِيِّ شَرْعًا وَأَنَّ عَلَى حَقِيقَتِهَا يُحْمَلُ مَعْنَى قَوْلِهِ
فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِحَرْبٍ»
. وَإِشَارَةُ الْآيَةِ إِلَى تَوَلِّي اللَّهِ إِيَّاهُمْ بالكرامة بقوله: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
. وتعريفْ بُشْرى
تَعْرِيف الْجِنْسِ فَهُوَ صَادِقٌ بِبِشَارَاتٍ كَثِيرَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute