للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (مَنْ) الْمَوْصُولَةُ شَأْنُهَا أَنْ تُطْلَقَ عَلَى الْعُقَلَاءِ وَجِيءَ بِهَا هُنَا مَعَ أَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَوَّلَ إِثْبَاتُ أَنَّ آلِهَتَهُمْ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ جَمَادَاتٌ غَيْرُ عَاقِلَةٍ، تَغْلِيبًا وَلِاعْتِقَادِهِمْ تِلْكَ الْآلِهَةَ عُقَلَاءَ وَهَذَا مِنْ مُجَارَاةِ الْخَصْمِ فِي الْمُنَاظَرَةِ لِإِلْزَامِهِ بِنُهُوضِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ حَتَّى عَلَى لَازِمِ اعْتِقَادِهِ. وَالْحُكْمُ بِكَوْنِ الْمَوْجُودَاتِ الْعَاقِلَةِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِلْكًا لِلَّهِ تَعَالَى يُفِيدُ بِالْأَحْرَى أَنَّ تِلْكَ الْحِجَارَةَ مِلْكُ اللَّهِ لِأَنَّ مَنْ يَمْلِكُ الْأَقْوَى أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَمْلِكَ الْأَضْعَفَ

فَإِنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ عَبَدَ الْمَلَائِكَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَدُوا الْمَسِيحَ، وَهُمْ نَصَارَى الْعَرَبِ.

وَذِكْرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِاسْتِيعَابِ أَمْكِنَةِ الْمَوْجُودَاتِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَلَا إِنَّ لِلَّهِ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ.

وَجُمْلَةُ: وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِلَخْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ. وَهِيَ كَالنَّتِيجَةِ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى إِذِ الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ مِلْكٌ لِلَّهِ، وَاتِّبَاعُ الْمُشْرِكِينَ أَصْنَامَهُمُ اتِّبَاعٌ خَاطِئٌ بَاطِلٌ.

وَ (مَا) نَافِيَةٌ لَا مَحَالَةَ، بِقَرِينَةِ تَأْكِيدِهَا بِ (إِنِ) النَّافِيَةِ، وَإِيرَادِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهُمَا.

وشُرَكاءَ مَفْعُولُ يَدْعُونَ الَّذِي هُوَ صِلَةُ الَّذِينَ.

وَجُمْلَةُ: إِنْ يَتَّبِعُونَ تَوْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِجُمْلَةِ مَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ وَأُعِيدَ مَضْمُونُهَا قَضَاءً لَحِقِّ الْفَصَاحَةِ حَيْثُ حَصَلَ مِنَ الْبُعْدِ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِسَبَبِ الصِّلَةِ الطَّوِيلَةِ مَا يُشْبِهُ التَّعْقِيدَ اللَّفْظِيَّ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِأَفْصَحِ كَلَامٍ مَعَ إِفَادَةِ تِلْكَ الْإِعَادَةِ مُفَادَ التَّأْكِيدِ لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي الْإِمْعَانَ فِي إِثْبَاتِ الْغَرَضِ.

والظَّنَّ مَفْعُولٌ لِكِلَا فِعْلَيْ يَتَّبِعُ، ويَتَّبِعُونَ فَإِنَّهُمَا كَفِعْلٍ وَاحِدٍ. وَلَيْسَ هَذَا مِنَ التَّنَازُعِ لِأَنَّ فِعْلَ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ لَا يَطْلَبُ عَمَلًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَكْرِيرُ اللَّفْظِ دُونَ الْعَمَلِ فَالتَّقْدِيرُ: وَمَا يَتِّبِعُ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ.