فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ تَوَلَّيْتُمْ فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مَا سَأَلْتُكُمْ أَجْرًا فَتَتَّهِمُونِي بِرَغْبَةٍ فِي نَفْعٍ يَنْجَرُّ لِي مِنْ دَعْوَتِكُمْ حَتَّى تُعْرِضُوا عَنْهَا شُحًّا بِأَمْوَالِكُمْ أَوِ اتِّهَامًا بِتَكْذِيبِي، وَهَذَا إِلْزَامٌ لَهُمْ بِأَنَّ تَوَلِّيَهُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ احْتِمَالُ تُهْمَتِهِمْ إِيَّاهُ بِتَطَلُّبِ نَفْعٍ لِنَفْسِهِ. وَبِذَلِكَ بَرَّأَ نَفْسَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِتَوَلِّيهِمْ، وَبِهَذَا تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِهَذَا الشَّرْطِ هُوَ التَّحَقُّقُ بَيْنَ مَضْمُونِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ وَجُمْلَةِ الْجَزَاءِ لَا وُقُوعُ جُمْلَةِ الْجَزَاءِ عِنْدَ وُقُوعِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ. وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ فِي آخِرِ سُورَةِ الْعُقُودِ [١١٦] . وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٨٧] .
وَجُمْلَةُ: إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ تَعْمِيمٌ لِنَفْيِ تَطَلُّبِهِ أَجْرًا عَلَى دَعْوَتِهِمْ سَوَاءٌ مِنْهُمْ أَمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَالْقَصْرُ حَقِيقِيٌّ وَبِهِ يَحْصُلُ تَأْكِيدُ جُمْلَةِ: فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ مَعَ زِيَادَةِ التَّعْمِيمِ. وَطَرِيقُ جَزْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ يُؤْجِرُهُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ وَعْدُ اللَّهِ إِيَّاهُ بِهِ بِمَا أَوْحَى إِلَيْهِ.
وَأَتَى بِحَرْفِ (عَلَى) الْمُفِيدِ لِكَوْنِهِ حَقًّا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى وَعْدِ اللَّهِ إِيَّاهُ وَأَعْلَمَهُ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ، فَصَارَ بِالْوَعْدِ حَقًّا عَلَى اللَّهِ الْتَزَمَ اللَّهُ بِهِ.
وَالْأَجْرُ: الْعِوَضُ الَّذِي يُعْطَى لِأَجْلِ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ آخِذُ الْعِوَضِ.
وَجُمْلَةُ: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ الْجَوَابِ، وَالتَّقْدِيرُ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَيْ أَمَرَنِي اللَّهُ أَنْ أَتَّبِعَ الدِّينَ الْحَقَّ وَلَوْ كُنْتُ وَحْدِي. وَهَذَا تَأْيِيسٌ لَهُمْ بِأَنَّ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى التَّوَلِّي عَنْهُ لَا يَفُلُّ حَدَّهُ وَلَا يَصُدُّهُ عَنْ مُخَالَفَةِ دِينِهِمُ الضَّلَّالِ.
وَبُنِيَ فِعْلُ أُمِرْتُ لِلْمَجْهُولِ فِي اللَّفْظِ لِلْعِلْمِ بِهِ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَيْ مِنَ الْفِئَةِ الَّتِي يَصْدُقُ عَلَيْهَا هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، أَيْ تَوْحِيدُ اللَّهِ دُونَ عِبَادَةِ شَرِيكٍ، لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ إِسْلَامِ الْعِبَادَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute