فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ وَحُلُولَ الْعَذَابِ بِهِمْ لِخَضْدِ شَوْكَتِهِمْ وَتَذْلِيلِ تَجَبُّرِهِمْ لِيَرْجِعُوا عَنْ ضَلَالِهِمْ وَيَسْهُلَ قَبُولُهُمُ الْإِيمَانَ.
وَلَمَّا كَانَتِ النِّعْمَةُ مُغْرِيَةً بِالطُّغْيَانِ لِأَهْلِ الْجَهَالَةِ وَالْخَبَاثَةِ جَعَلَ مُوسَى إِمْدَادَ فِرْعَوْنَ بِالنِّعْمَةِ مُغْرِيًا لِفِرْعَوْنَ بِالِاسْتِرْسَالِ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ الدِّينِ فَكَانَ دُعَاءُ مُوسَى عَلَيْهِمُ اسْتِصْلَاحًا لَهُمْ وَتَطَلُّبًا لِإِيمَانِهِمْ بِوَسَائِلِ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَلِمَ مِنْ قُلُوبِهِمْ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ مُوسَى وَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالِاسْتِئْصَالِ.
وَافْتُتِحَ الدُّعَاءُ بِالنِّدَاءِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِمَقَامِ الدُّعَاءِ. وَنُودِيَ اللَّهُ بِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ تَذَلُّلًا لِإِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا تَوْطِئَةٌ لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ حَقِيقَةَ الْإِخْبَارِ ضَرُورَةَ أَنَّ مُوسَى يُوقِنُ بِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْخَبَرَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّمْهِيدِ لِطَلَبِ سَلْبِ النِّعْمَةِ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ. ثُمَّ الِانْتِقَالِ إِلَى الدُّعَاءِ بِسَلْبِ مَا أُوتُوهُ.
فَاقْتِرَانُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ (إِنَّ) فِي قَوْلِهِ: إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ إِلَخْ مَقْصُودٌ بِهِ الِاهْتِمَامُ بِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي اسْتُعْمِلَ فِيهِ الْخَبَرُ إِذْ لَيْسَ الْمَقَامُ مَقَامَ دَفْعِ تَرَدُّدٍ أَوْ دَفْعِ إِنْكَارٍ.
وَقَدْ تَرَدَّدَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَحَلِّ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ. وَالَّذِي سَلَكَهُ أَهْلُ التَّدْقِيقِ مِنْهُمْ أَنَّ اللَّامَ لَامُ الْعَاقِبَةِ. وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ: الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وَالْأَخْفَشِ، وَأَصْحَابِهِمَا، عَلَى نَحْوِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَص: ٨] فَاللَّامُ الْمَوْضُوعَةُ لِلتَّعْلِيلِ مُسْتَعَارَةٌ لِمَعْنَى التَّرَتُّبِ وَالتَّعْقِيبِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَاءُ التَّعْقِيبِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَى الْحَرْفِ فَشَبَّهَ تَرَتُّبَ الشَّيْءِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ لَيْسَ عِلَّةً فِيهِ بِتَرَتُّبِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي قُوَّةِ التَّرَتُّبِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِمَنْ ظَهَرَ عِنْدَهُ أَثَرُهُ، فَالْمَعْنَى: إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فَضَّلُوا بِذَلِكَ وَأَضَلُّوا.
وَلِلْمُفَسِّرِينَ وُجُوهٌ خَمْسَةٌ أُخْرَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute