وَلِلْخَلِيفَةِ شُرُوطٌ مَحَلُّ بَيَانِهَا كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ، وَسَتَجِيءُ مُنَاسَبَتُهَا فِي آيَاتٍ آتِيَةٍ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ خِطَابَهُ تَعَالَى هَذَا لِلْمَلَائِكَةِ كَانَ عِنْدَ إِتْمَامِ خَلْقِ آدَمَ عِنْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ أَوْ قَبْلَ النَّفْخِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُخْبَرِ عَنْ جَعْلِهِ خَلِيفَةً هُوَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ كَمَا يَقُولُ الَّذِي كَتَبَ كِتَابًا بِحَضْرَةِ جَلِيسٍ إِنِّي مُرْسِلٌ كِتَابًا إِلَى فُلَانٍ فَإِنَّ السَّامِعَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِ كِتَابَتِهِ كِتَابٌ لِفُلَانٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابُهُمْ بِذَلِكَ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ، وَعَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا يَكُونُ اسْمُ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ: جاعِلٌ لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ وَصْفَ الْخَلِيفَةِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِآدَمَ سَاعَتَئِذٍ.
وَقَوْلُ اللَّهِ هَذَا مُوَجَّهٌ إِلَى الْمَلَائِكَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ لِيَسُوقَهُمْ إِلَى مَعْرِفَةِ فَضْلِ الْجِنْسِ الْإِنْسَانِيِّ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ مَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِهَذَا الْجِنْسِ، وَلِيَكُونَ كَالِاسْتِشَارَةٍ لَهُمْ تَكْرِيمًا لَهُمْ فَيَكُونُ تَعْلِيمًا فِي قَالَبِ تَكْرِيمٍ مِثْلَ إِلْقَاءِ الْمُعَلِّمِ فَائِدَةً لِلتِّلْمِيذِ فِي صُورَةِ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ وَلِيَسُنَّ الِاسْتِشَارَةَ فِي الْأُمُورِ، وَلِتَنْبِيهِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى مَا دَقَّ وَخَفِيَ مِنْ حِكْمَةِ خَلْقِ آدَمَ كَذَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ.
وَعِنْدِي أَنْ هَاتِهِ الِاسْتِشَارَةَ جُعِلَتْ لِتَكُونَ حَقِيقَةً مُقَارَنَةً فِي الْوُجُودِ لِخَلْقِ أَوَّلِ الْبَشَرِ حَتَّى تَكُونَ نَامُوسًا أُشْرِبَتْهُ نُفُوسُ ذُرِّيَّتِهِ لِأَنَّ مُقَارَنَةَ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَالْمَعَانِي لِتَكْوِينِ شَيْءٍ مَا، تُؤْثِرُ تَآلُفًا بَيْنَ ذَلِكَ الْكَائِنِ وَبَيْنَ الْمُقَارَنِ. وَلَعَلَّ هَذَا الِاقْتِرَانَ يَقُومُ فِي الْمَعَانِي الَّتِي لَا تُوجَدُ إِلَّا تَبَعًا لِذَوَاتِ مَقَامِ أَمْرِ التَّكْوِينِ فِي الذَّوَاتِ فَكَمَا أَنَّ أَمْرَهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَيْ إِنْشَاءَ ذَاتٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، كَذَلِكَ أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ اقْتِرَانَ مَعْنًى بِذَاتٍ أَوْ جِنْسٍ أَنْ يُقَدَّرَ حُصُولَ مَبْدَأِ ذَلِكَ الْمَعْنَى عِنْدَ تَكْوِينِ أَصْلِ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَوْ عِنْدَ تَكْوِينِ الذَّاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَبُولُ الْعِلْمِ مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْسَانِ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاء عِنْد مَا خَلَقَهُ.
وَهَذَا هُوَ وَجْهُ مَشْرُوعِيَّةِ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ لِيَكُونَ اقْتِرَانُ ابْتِدَائِهَا بِلَفْظِ اسْمِهِ تَعَالَى مُفِيضًا لِلْبَرَكَةِ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَلِهَذَا أَيْضًا طَلَبَتْ مِنَّا الشَّرِيعَةُ تَخَيُّرَ أَكْمَلِ الْحَالَاتِ وَأَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ لِلشُّرُوعِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَمُهِمَّاتِ الْمُطَالِبِ، وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ، وَسَنَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشُّورَى عِنْدَ قَوْلِهِ
تَعَالَى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute