للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ [الدُّخان: ٣٨] . فَإِنْ حُمِلَ الْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ عَلَى ظَاهِرِ الْإِخْبَارِ كَانَتِ الْحَالُ مَقَدَّرَةً مِنْ فَاعِلِ خَلَقَ أَيْ خَلَقَ ذَلِكَ مُقَدِّرًا أَنَّكُمْ تُنْكِرُونَ عَظِيمَ قُدْرَتِهِ، وَإِنْ حُمِلَ الْخَبَرُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْبِيهِ وَالِاعْتِبَارِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ كَانَتِ الْحَالُ مُقَارِنَةً.

وُوَجْهُ جَعْلِهَا جُمْلَةً شَرْطِيَّةً إِفَادَةُ تَجَدُّدِ التَّكْذِيبِ عِنْدَ كُلِّ إِخْبَارٍ بِالْبَعْثِ، وَاللَّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ، وَجَوَابُ الْقَسَمِ لَيَقُولَنَّ إِلَخْ، فَاللَّامُ فِيهِ لَامُ جَوَابِ الْقَسَمِ. وَجَوَابُ (إِنَّ) مَحْذُوفٌ أَغْنَى عَنْهُ جَوَابُ الْقَسَمِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمٍ أَنْ يُحْذَفَ جَوَابُ الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا.

وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِاللَّامِ الْمُوَطِّئَةِ لِلْقَسَمِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ نُونِ التَّوْكِيدِ لِتَنْزِيلِ السَّامِعِ مَنْزِلَةَ الْمُتَرَدِّدِ فِي صُدُورِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُمْ لِغَرَابَةِ صُدُورِهِ مِنَ الْعَاقِلِ، فَيَكُونُ التَّأْكِيدُ الْقَوِيُّ وَالتَّنْزِيلُ مُسْتَعْمَلًا فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ وَهُوَ التَّعْجِيبُ مِنْ حَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يُحِيلُوا إِعَادَةَ الْخَلْقِ وَقَدْ شَاهَدُوا آثَارَ بَدْءِ الْخَلْقِ وَهُوَ أَعْظَمُ وَأَبْدَعُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ إِلَّا سِحْرٌ عَلَى أَنَّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِ (قُلْتَ) ، وَمَعْنَى الْإِخْبَارِ عَنِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سِحْرٌ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَلَامٌ مِنْ قَبِيلِ الْأَقْوَالِ الَّتِي يَقُولُهَا السَّحَرَةُ لِخَصَائِصَ تُؤَثِّرُ فِي النُّفُوسِ.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ: إِلَّا سَاحِرٌ فَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَفْهُومِ مِنْ ضَمِيرِ قُلْتَ أَيْ أَنَّهُ يَقُولُ كَلَامًا يَسْحَرُنَا بِذَلِكَ.

وَوَجْهُ جَعْلِهِمْ هَذَا الْقَوْلَ سِحْرًا أَنَّ فِي مُعْتَقَدَاتِهِمْ وَخُرَافَاتِهِمْ أَنَّ مِنْ وَسَائِلِ السِّحْرِ الْأَقْوَالَ الْمُسْتَحِيلَةَ وَالتَّكَاذِيبَ الْبُهْتَانِيَّةَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ كُلَّمَا أُخْبِرُوا بِهِ لَا يَتَرَدَّدُونَ فِي عَدَمِ إِمْكَانِ حُصُولِهِ بَلْهَ إِيمَانُهُمْ بِهِ.

ومُبِينٌ اسْمُ فَاعِلِ أَبَانَ الْمَهْمُوزَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى بَانَ الْمُجَرَّدِ، أَيْ بَيِّنٌ وَاضِحٌ أَنَّهُ سِحْرٌ أَوْ أَنَّهُ سَاحِرٌ