وضائِقٌ عَطْفٌ عَلَى تارِكٌ فَهُوَ وَفَاعِلُهُ جُمْلَةُ خَبَرٍ عَنْ (لَعَلَّكَ) فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ.
وَالْبَاءُ فِي بِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ عَائِدٌ عَلَى مَا بَعْدَهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولُوا. وأَنْ يَقُولُوا بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الْأَنْبِيَاء: ٣] ، فَيَكُونُ تَحْذِيرًا مِنْ أَنْ يَضِيقَ صَدْرُهُ لِاقْتِرَاحِهِمُ الْآيَاتِ بِأَنْ يَقُولُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ، وَيَحْصُلُ مَعَ ذَلِكَ التَّحْذِيرُ مِنْ أَنْ يَضِيقَ صَدْرُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [هود: ٧] ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: مَا يَحْبِسُ الْعَذَابَ عَنَّا، بِوَاسِطَةِ كَوْنِ ضائِقٌ دَاخِلًا فِي تَفْرِيعِ التَّحْذِيرِ عَلَى قَوْلَيْهِمُ السَّابِقَيْنِ. وَإِنَّمَا جِيءَ بِالضَّمِيرِ ثُمَّ أُبْدِلَ مِنْهُ لِقَصْدِ الْإِجْمَالِ الَّذِي يُعْقِبُهُ التَّفْصِيلُ لِيَكُونَ أَشَدُّ تَمَكُّنًا فِي الذِّهْنِ، وَلِقَصْدِ تَقْدِيمِ الْمَجْرُورِ الْمُتَعَلِّقِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى فَاعِلِهِ تَنْبِيهًا عَلَى الِاهْتِمَامِ بِالْمُتَعَلِّقِ لِأَنَّهُ سَبَبُ صُدُورِ الْفِعْلِ عَنْ فَاعِلِهِ فَجِيءَ بِالضَّمِيرِ الْمُفَسِّرِ فِيمَا بَعْدُ لِمَا فِي لَفْظِ التَّفْسِيرِ مِنَ الطُّولِ، فَيَحْصُلُ بِذِكْرِهِ بُعْدٌ بَيْنَ اسْمِ الْفَاعِلِ وَمَرْفُوعِهِ، فَلِذَلِكَ اخْتُصِرَ فِي ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَحَصَلَ الِاهْتِمَامُ وَقَوِيَ الِاهْتِمَامُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّنِهِ فِي الذِّهْنِ.
وَمُعْظَمُ الْمُفَسِّرِينَ جَعَلُوا ضَمِيرَ بِهِ عَائِدًا إِلَى بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ. عَلَى أَنَّ مَا يُوحَى إِلَيْهِ سَبَبٌ لِضِيقِ صَدْرِهِ، أَيْ لَا يَضِيقُ لَهُ صَدْرُكَ، وَجَعَلُوا أَنْ يَقُولُوا مَجْرُورًا بِلَامِ التَّعْلِيلِ مُقَدَّرَةً. وَعَلَيْهِ فَالْمُضَارِعُ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَقُولُوا بِمَعْنَى الْمُضِيِّ لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ. وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِ ضائِقٌ وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ بِالْمَتِينِ.
ولَوْلا: لِلتَّحْضِيضِ، والكنز: المَال الْكُنُوز أَيِ الْمَخْبُوءُ.
وَإِنْزَالُهُ: إِتْيَانُهُ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ أَيْ مِنَ السَّمَاءِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ صَدَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَلِذَلِكَ فَالْفِعْلُ الْمُضَارِعُ مُرَادٌ بِهِ تَجَدُّدُ هَذَا الْقَوْلِ وَتُكَرُّرُهُ مِنْهُمْ بِقَرِينَةِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute