للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُسْتَحْضَرٌ لَهُمْ فِي حَالِ قَوْلِهِمْ:

أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ وَلَيْسَ شَيْئًا خَطَرَ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ تَوَغَّلُوا فِي الِاسْتِبْعَادِ وَالِاسْتِغْرَابِ.

الِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ التَّعْرِيضَ بِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالِاسْتِخْلَافِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْإِسْمِيَّةَ دَلَّتْ عَلَى الدَّوَامِ وَجُمْلَةُ مَنْ يُفْسِدُ فِيها دَلَّتْ عَلَى تَوَقُّعِ الْفَسَادِ وَالسَّفْكِ فَكَانَ الْمُرَادُ أَنَّ اسْتِخْلَافَهُ يَقَعُ مِنْهُ صَلَاحٌ وَفَسَادٌ وَالَّذِينَ لَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ عِصْيَانُ مُرَادِ اللَّهِ هُمْ أَوْلَى بِالِاسْتِخْلَافِ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْفَسَادُ فَتَكُونُ حَالًا مُقَرِّرَةً لِمَدْلُولِ جُمْلَةِ أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ تَكْمِلَةً لِلِاسْتِغْرَابِ، وَعَامِلُهَا هُوَ تَجْعَلُ وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ تَمْثِيلُ «الْكَشَّافِ» . وَالْعَامِلُ فِي الْحَالِ هُوَ الِاسْتِفْهَامُ لِأَنَّهُ مِمَّا تَضَمَّنَ معنى الْفِعْل لَا سِيمَا إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّعَجُّبَ أَيْضًا إِذْ تَقْدِيرُ أَتَجْعَلُ فِيها إِلَخْ نَتَعَجَّبُ مِنْ جَعْلِهِ خَلِيفَةً.

وَالتَّسْبِيحُ قَوْلٌ أَوْ مَجْمُوعُ قَوْلٍ مَعَ عَمَلٍ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنْزِيهِهِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ ذِكْرُ اللَّهِ تَسْبِيحًا، وَالصَّلَاةُ سُبْحَةً وَيُطْلَقُ التَّسْبِيحُ عَلَى قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنَ التَّنْزِيهِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ التَّسْبِيحَ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّبْحِ وَهُوَ الذَّهَابُ السَّرِيعُ فِي الْمَاءِ إِذْ قَدْ تُوُسِّعَ فِي مَعْنَاهُ إِذْ أُطْلِقَ مَجَازًا عَلَى مَرِّ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ قَالَ تَعَالَى: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: ٤٠] وَعَلَى جَرْيِ الْفَرَسِ قَالُوا فَلَعَلَّ التَّسْبِيحَ لُوحِظَ فِيهِ مَعْنَى سُرْعَةِ الْمُرُورِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَظْهَرُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ سَبَّحَ بِمَعْنَى نَسَبَ لِلسَّبَحِ أَيِ الْبُعْدِ وَأُرِيدُ الْبُعْدُ الِاعْتِبَارِيُّ وَهُوَ الرِّفْعَةُ أَيِ التَّنْزِيهُ عَنْ أَحْوَالِ النَّقَائِصِ وَقِيلَ سُمِعَ سَبَحَ مُخَفَّفًا غَيْرَ مُضَاعَفٍ بِمَعْنَى نَزَّهَ، ذَكَرَهُ فِي «الْقَامُوسِ» .

وَعِنْدِي أَنَّ كَوْنَ التَّسْبِيحِ مَأْخُوذًا مِنَ السَّبْحِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ بِعِيدٌ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلِمَةِ سُبْحَانَ وَلِهَذَا الْتَزَمُوا فِي هَذَا أَن يكون لوزن فَعَّلَ الْمُضَاعَفِ فَلَمْ يُسْمَعْ مُخَفَّفًا.

وَإِذَا كَانَ التَّسْبِيحُ كَمَا قُلْنَا هُوَ قَوْلٌ أَوْ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ فَتَعَلُّقُ قَوْلِهِ بِحَمْدِكَ بِهِ هُنَا وَفِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ فِي الْقُرْآنِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ يَشْتَمِلُ عَلَى حَمَدِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَمْجِيدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ نُسَبِّحُ تَسْبِيحًا مَصْحُوبًا بِالْحَمْدِ لَكَ وَبِذَلِكَ تَنْمَحِي جَمِيعُ التَّكَلُّفَاتِ الَّتِي فَسَّرُوا بِهَا هُنَا.

وَالتَّقْدِيسُ التَّنْزِيهُ وَالتَّطْهِيرُ وَهُوَ إِمَّا بِالْفِعْلِ كَمَا أُطْلِقَ الْمُقَدَّسُ عَلَى الرَّاهِبِ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ يَصِفُ تَعَلُّقَ الْكِلَابِ بِالثَّوْرِ الْوَحْشِيِّ: