بِهَا إِنْ أَنْتُمْ تَكْرَهُونَ قَبُولَهَا. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ لَوْ تَأَمَّلُوا تَأَمُّلًا بَرِيئًا مِنَ الْكَرَاهِيَةِ وَالْعَدَاوَةِ لَعَلِمُوا صدق دَعوته.
وأَ رَأَيْتُمْ، اسْتِفْهَامٌ عَنِ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ. وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ إِذَا كَانَ فِعْلُ الرُّؤْيَةِ غَيْرَ عَامِلٍ فِي مُفْرَدٍ فَهُوَ تَقْرِيرٌ عَلَى مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ السَّادَّةِ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ (رَأَيْتُمْ) ، وَلِذَلِكَ كَانَ مَعْنَاهُ آئلا إِلَى مَعْنَى أَخْبِرُونِي، وَلَكِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي طَلَبِ مَنْ حَالُهُ حَالُ مَنْ يَجْحَدُ الْخَبَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٤٧] .
وَجُمْلَةُ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي إِلَى قَوْله تَعَالَى فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ فِعْلِ أَرَأَيْتُمْ وَمَا سَدَّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْهِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَنُلْزِمُكُمُوها إِنْكَارِيٌّ، أَيْ لَا نُكْرِهُكُمْ عَلَى قَبُولِهَا، فَعُلِّقَ الْإِلْزَامُ بِضَمِيرِ الْبَيِّنَةِ أَوِ الرَّحْمَةِ. وَالْمُرَادُ تَعْلِيقُهُ بِقَبُولِهَا بِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ.
وَالْبَيِّنَةُ: الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْمُعْجِزَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعْجِزَتُهُ الطُّوفَانَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَهُ مُعْجِزَاتٌ أُخْرَى لَمْ تُذْكَرْ، فَإِنَّ بِعْثَةَ الرُّسُلِ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- لَا تَخْلُو مِنْ مُعْجِزَاتٍ.
وَالْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ نِعْمَةُ النُّبُوءَةِ وَالتَّفْضِيلِ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَنْكَرُوهُ، مَعَ مَا صَحِبَهَا مِنَ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِهَا، فَعَطْفُ (الرَّحْمَةِ) عَلَى (الْبَيِّنَةِ) يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ مُغَايِرَةٌ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ أَعَمُّ مِنَ الْبَيِّنَةِ إِذِ الْبَيِّنَةُ عَلَى صِدْقِهِ مِنْ جُمْلَةِ الرَّحْمَةِ بِهِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا أُعِيدَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فَعُمِّيَتْ أُعِيدَ عَلَى (الرَّحْمَةِ) لِأَنَّهَا أَعَمُّ.
وعَلَيْكُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِ (عُمِّيَتْ) وَهُوَ حَرْفٌ تَتَعَدَّى بِهِ الْأَفْعَالُ الدَّالَّةُ عَلَى مَعْنَى الَخَفَاءِ، مِثْلُ: خَفِيَ عَلَيْكَ. وَلَمَّا كَانَ عُمِّيَ فِي مَعْنَى خَفِيَ عُدِّيَ بِ (عَلَى) ، وَهُوَ لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ أَيِ التَّمَكُّنِ، أَيْ قُوَّةِ مُلَازَمَةِ الْبَيِّنَةِ وَالرَّحْمَةِ لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute