وَعَطْفُ وَلا قَوْمُكَ مِنَ التَّرَقِّي، لِأَنَّ فِي قَوْمِهِ مَنْ خَالَطَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَمَنْ كَانَ يَقْرَأُ وَيَكْتُبُ وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ كَثِيرًا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ.
وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِ هَذَا إِمَّا إِلَى الْقُرْآنِ، وَإِمَّا إِلَى الْوَقْتِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أَمْثَالِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ نُزُولُهُ عَلَيْهَا، وَإِمَّا إِلَى تِلْكَ بِتَأْوِيلِ النَّبَأِ، فَيَكُونُ التَّذْكِيرُ بَعْدَ التَّأْنِيثِ شَبِيهًا بِالِالْتِفَاتِ.
وَوَجْهُ تَفْرِيعِ أَمْرِ الرَّسُولِ بِالصَّبْرِ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ فِيهَا قِيَاسَ حَالِهِ مَعَ قَوْمِهِ عَلَى حَالِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَعَ قَوْمِهِ، فَكَمَا صَبَرَ نُوحٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَكَانَتِ الْعَاقِبَةُ لَهُ كَذَلِكَ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ لَكَ عَلَى قَوْمِكَ. وَخَبَرُ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مُسْتَفَادٌ مِمَّا حُكِيَ مِنْ مُقَاوَمَةِ قَوْمِهِ وَمِنْ ثَبَاتِهِ عَلَى دَعْوَتِهِمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ الثَّبَاتَ مَعَ تِلْكَ الْمُقَاوَمَةِ مِنْ مُسَمَّى الصَّبْرِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ عِلَّةٌ لِلصَّبْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَيِ اصْبِرْ لِأَنَّ دَاعِيَ الصَّبْرِ قَائِمٌ وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِبَةَ الْحَسَنَةَ تَكُونُ لِلْمُتَّقِينَ، فَسَتَكُونُ لَكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مَعَكَ.
وَالْعَاقِبَةُ: الْحَالَةُ الَّتِي تَعْقُبُ حَالَةً أُخْرَى. وَقَدْ شَاعَتْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي حَالَةِ الْخَيْرِ كَقَوْلِهِ: وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى [طه: ١٣٢] .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعاقِبَةُ لِلْجِنْسِ.
وَاللَّامُ فِي لِلْمُتَّقِينَ لِلِاخْتِصَاصِ وَالْمِلْكِ، فَيَقْتَضِي مِلْكَ الْمُتَّقِينَ لِجِنْسِ الْعَاقِبَةِ الْحَسَنَةِ، فَهِيَ ثَابِتَةٌ لَهُمْ لَا تَفُوتُهُمْ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَن أضدادهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute