السَّلَامُ-.
وَلَعَلَّ آيَتَهُ أَنَّهُ وَعَدَهُمْ عِنْدَ بِعْثَتِهِ بِوَفْرَةِ الْأَرْزَاقِ وَالْأَوْلَادِ وَاطِّرَادِ الْخِصْبِ وَفْرَةً مُطَّرِدَةً لَا تَنَالُهُمْ فِي خِلَالِهَا نَكْبَةٌ وَلَا مُصِيبَةٌ بِحَيْثُ كَانَتْ خَارِقَةً لِعَادَةِ النِّعْمَةِ فِي الْأُمَمِ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت: ١٥] .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا من الْأَنْبِيَاء نبيء إِلَّا أُوتِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ»
الْحَدِيثَ.
وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي جَاءَهُمْ بِهَا هُودٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ تَكُنْ طِبْقًا لِمُقْتَرَحَاتِهِمْ. وَجَعَلُوا ذَلِكَ عِلَّةً لِتَصْمِيمِهِمْ عَلَى عِبَادَةِ آلِهَتِهِمْ فَقَالُوا: وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ. وَلَمْ يَجْعَلُوا وَما نَحْنُ بِتارِكِي مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِهِمْ: مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ.
وعَنْ فِي عَنْ قَوْلِكَ لِلْمُجَاوَزَةِ، أَيْ لَا نَتْرُكُهَا تَرْكًا صَادِرًا عَنْ قَوْلِكَ، كَقَوْلِهِ:
وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الْكَهْف: ٨٢] . وَالْمَعْنَى عَلَى أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ عِلَّةً لِتَرْكِهِمْ آلِهَتَهُمْ.
وَجُمْلَةُ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُثِيرَ لِلسَّامِعِ وَمَنْ مَعَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنْ يَقُولُوا إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِمَا جَاءَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَاذَا تَعُدُّونَ دَعْوَتَهُ فِيكُمْ، أَيْ نَقُولُ إِنَّكَ مَمْسُوسٌ مِنْ بَعْضِ آلِهَتِنَا، وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ بَعْضِ الْآلِهَةِ تَهْدِيدًا لِلنَّاسِ بِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّى لَهُ جَمِيعُ الْآلِهَةِ لَدَكُّوهُ دَكًّا.
وَالِاعْتِرَاءُ: النُّزُولُ وَالْإِصَابَةُ. وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ أَصَابَكَ بِسُوءٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ يَعْنُونَ أَنَّ آلِهَتَهُمْ أَصَابَتْهُ بِمَسٍّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُومَ بِدَعْوَةِ رَفْضِ عِبَادَتِهَا لِسَبَبٍ آخَرَ، وَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ جَارٍ عَلَى انْتِظَامِ الْحُجَّةِ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُلَفَّقٌ مِنْ نَوْعِ مَا يَصْدُرُ عَنِ السُّفِسْطَائِيِّينَ، فَجَعَلُوهُ مَجْنُونًا وَجَعَلُوا سَبَبَ جُنُونِهِ مَسًّا مِنْ آلِهَتِهِمْ، وَلِمَ يَتَفَطَّنُوا إِلَى دَخَلِ كَلَامِهِمْ وَهُوَ أَنَّ الْآلِهَةَ كَيْفَ تَكُونُ سَبَبًا فِي إِثَارَةِ ثَائِرٍ عَلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute