وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي ظَلَمْناهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْقُرى بِاعْتِبَارِ أَهْلِهَا لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَظْلِمْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ مَا أَصَابَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ جَزَاءً عَنْ سُوءِ أَعْمَالِهِمْ فَكَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ إِذْ جَرُّوا لِأَنْفُسِهِمُ الْعَذَابَ.
وَفَرَّعَ عَلَى ظُلْمِهِمْ أَنْفُسِهِمِ انْتِفَاءَ إِغْنَاءِ آلِهَتِهِمْ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ التَّرَتُّبُ وَالتَّفْرِيعُ أَنَّ ظُلْمَهُمْ أَنْفُسَهُمْ مَظْهَرُهُ فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ، وَهُمْ لَمَّا عَبَدُوهَا كَانُوا يَعْبُدُونَهَا لِلْخَلَاصِ مِنْ طَوَارِقِ الْحَدَثَانِ وَلِتَكُونَ لَهُمْ شُفَعَاءَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانُوا فِي أَمْنٍ مِنْ أَنْ يَنَالَهُمْ بَأْسٌ فِي الدُّنْيَا اعْتِمَادًا عَلَى دَفْعِ أَصْنَامِهِمْ عَنْهُمْ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُهُمْ بِضِدِّ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ الضِّدُّ مُضَادًّا لِتَأْمِيلِهِمْ وَتَقْدِيرِهِمْ.
وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا التَّفْرِيعِ التَّعْرِيضُ بِتَحْذِيرِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ مِنَ الِاعْتِمَادِ عَلَى نَفْعِ الْأَصْنَامِ، فَقَدْ أَيْقَنَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ أُولَئِكَ الْأُمَمَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ كَيْفَ وَهَؤُلَاءِ اقْتَبَسُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقِينَ وَأَيْقَنُوا أَنَّهُمْ قَدْ حَلَّ بِهِمْ مِنَ الِاسْتِئْصَالِ مَا
شَاهَدُوا آثَارَهُ، فَذَلِكَ مَوْعِظَةٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا مُهْتَدِينَ.
وَجُمْلَةُ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ عِلَاوَةً وَارْتِقَاءً عَلَى عَدَمِ نَفْعِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ شَأْنُهُمْ عَدَمَ الْإِغْنَاءِ عَنْهُمْ فَحَسْبُ وَلَكِنَّهُمْ زَادَتْهُمْ تَتْبِيبًا وَخُسْرَانًا، أَيْ زَادَتْهُمْ أَسْبَابَ الْخُسْرَانِ.
وَالتَّتْبِيبُ: مَصْدَرُ تَبَبَهُ إِذَا أَوْقَعَهُ فِي التِّبَابِ وَهُوَ الْخَسَارَةُ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ أَصْنَامَهُمْ زَادَتْهُمْ تَتْبِيبًا لَمَّا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ، لِأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى الْفِعْل المقيّد ب لَمَّا التَّوْقِيتِيَّةِ الْمُفِيدَةِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتِ مَجِيءِ أَمْرِ اللَّهِ وَهُوَ حُلُولُ الْعَذَابِ بِهِمْ.
وَوَجْهُ زِيَادَتِهِمْ إِيَّاهُمْ تَتْبِيبًا حِينَئِذٍ أَنَّ تَصْمِيمَهُمْ عَلَى الطَّمَعِ فِي إِنْقَاذِهِمْ إِيَّاهُمْ مِنَ الْمَصَائِبِ حَالَتْ دُونَهُمْ وَدُونَ التَّوْبَةِ عِنْدَ سَمَاعِ الْوَعِيدِ بِالْعَذَابِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ لِمُجَرَّدِ الْمُشَارِكَةِ فِي الصِّفَةِ دُونَ قَيْدِهَا، أَيْ زَادُوهُمْ تَتْبِيبًا قَبْلَ مَجِيءِ أَمْرِ اللَّهِ بِأَنْ زَادَهُمُ اعْتِقَادُهُمْ فِيهَا انْصِرَافًا عَنِ النَّظَرِ فِي آيَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute