للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجَعَلَ عَذَابَ الدُّنْيَا آيَةً دَالَّةً عَلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ لِأَنَّ الْقُرَى الظَّالِمَةَ تَوَعَّدَهَا اللَّهُ بِعَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ [الطّور: ٤٧] فَلَمَّا عَايَنُوا عَذَابَ الدُّنْيَا كَانَ تَحَقُّقُهُ أَمَارَةً عَلَى تَحَقُّقِ الْعَذَابِ الْآخَرِ.

وَجُمْلَةُ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ مُعْتَرِضَةٌ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ هَذَا الْيَوْمِ حَتَّى أنّ المتكلّم يبتدىء كَلَامًا لِأَجْلِ وَصفه.

وَالْإِشَارَة ب ذلِكَ إِلَى الْآخِرَة لأنّ مَا صدقهَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَتَذْكِيرُ اسْمِ الْإِشَارَةِ مُرَاعَاةٌ لِمَعْنَى الْآخِرَةِ.

وَاللَّامُ فِي مَجْمُوعٌ لَهُ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ مَجْمُوعٌ النَّاسُ لِأَجْلِهِ.

وَمَجِيءُ الْخَبَرِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْيَوْمِ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الثَّبَاتِ، أَيْ ثَابِتٌ جَمْعُ اللَّهِ النَّاسَ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَيَدُلُّ عَلَى تَمَكُّنِ تَعَلُّقِ الْجَمْعِ بِالنَّاسِ وَتَمَكُّنِ كَوْنِ ذَلِكَ الْجَمْعِ لِأَجْلِ الْيَوْمِ حَتَّى لُقِّبَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ [التغابن: ٩] .

وَعَطْفُ جُمْلَةِ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ عَلَى جُمْلَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ لِزِيَادَةِ التَّهْوِيلِ لِلْيَوْمِ بِأَنَّهُ يُشْهَدُ. وَطُوِيَ ذِكْرُ الْفَاعِلِ إِذِ الْمُرَادُ يَشْهَدُهُ الشَّاهِدُونَ، إِذْ لَيْسَ الْقَصْدُ إِلَى شَاهِدِينَ مُعَيَّنِينَ. وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَهُ شُهُودًا خَاصًّا وَهُوَ شُهُودُ الشَّيْءِ الْمَهُولِ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنْ لَا يَقْصِدَ الْإِخْبَارَ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مَرْئِيًّا لَكِنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ مَرْئِيًّا رُؤْيَةً خَاصَّةً.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِمَعْنَى الْمُحَقَّقِ أَيْ مَشْهُودٌ بِوُقُوعِهِ، كَمَا يُقَالُ: حَقٌّ مَشْهُودٌ، أَيْ عَلَيْهِ شُهُودٌ لَا يُسْتَطَاعُ إِنْكَارُهُ، وَاضِحٌ لِلْعَيَانِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِمَعْنَى كَثِيرِ الشَّاهِدِينَ إِيَّاهُ لِشُهْرَتِهِ، كَقَوْلِهِمْ: لِفُلَانٍ مَجْلِسٌ مَشْهُودٌ، كَقَوْلِ أُمِّ قَيْسٍ الضَّبِيَّةِ: