لِرَفْعِ هَذَا الْإِيهَامِ، فَصَارَ الْمُسْتَثْنَى غَيْرَ دَاخِلٍ فِي الْمَذْكُورِ مِنْ قَبْلُ، فَلِذَلِكَ كَانَ مُنْقَطِعًا، وَعَلَامَةُ انْقِطَاعِهِ انْتِصَابُهُ لِأَنَّ نَصْبَ الْمُسْتَثْنَى بَعْدَ النَّفْيِ إِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ غَيْرَ مَنْصُوبٍ أَمَارَةً عَلَى اعْتِبَارِ الِانْقِطَاعِ إِذْ هُوَ الْأَفْصَحُ. وَهَلْ يَجِيءُ أَفْصَحُ كَلَامٍ إِلَّا عَلَى أَفْصَحِ إِعْرَابٍ، وَلَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا اتِّصَالُهُ لَجَاءَ مَرْفُوعًا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنَ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ.
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِمَّنْ أَنْجَيْنا بَيَانِيَّةٌ، بَيَانٌ لِلْقَلِيلِ لِأَنَّ الَّذِينَ أَنْجَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْقُرُونِ هُمُ الْقَلِيلُ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ.
وَفِي الْبَيَانِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نَهْيَهُمْ عَنِ الْفَسَادِ هُوَ سَبَبُ إِنْجَاءِ تِلْكَ الْقُرُونِ لِأَنَّ النَّهْيَ سَبَبُ السَّبَبِ إِذِ النَّهْيُ يُسَبِّبُ الْإِقْلَاعَ عَنِ الْمَعَاصِي الَّذِي هُوَ سَبَبُ النَّجَاةِ.
وَدَلَّ قَوْلُهُ: مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ إِيجَازَ حَذْفٍ تَقْدِيرُهُ: فَكَانُوا يَتُوبُونَ وَيُقْلِعُونَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَيَنْجُونَ مِنْ مَسِّ النَّارِ الَّذِي لَا دَافِعَ لَهُ عَنْهُمْ.
وَجُمْلَةُ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ وُجُودِ قَلِيلٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ، فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الِاسْتِثْنَاءِ وَتَبْيِينٌ لِإِجْمَالِهِ. وَالْمَعْنَى: وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَنْهَوْا عَنِ الْفَسَادِ وَلَمْ يَنْتَهُوا هُمْ وَلَا قَوْمُهُمْ وَاتَّبَعُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ [الْبَقَرَة: ٣٤] تَفْصِيلًا لِمَفْهُومِ الِاسْتِثْنَاءِ.
وَفِي الْآيَةِ عِبْرَةٌ وَمَوْعِظَةٌ لِلْعُصَاةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْلُونَ مِنْ ظُلْمِ أَنْفُسِهِمْ.
وَاتِّبَاعُ مَا أُتْرِفُوا فِيهِ هُوَ الِانْقِطَاعُ لَهُ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ إِقْبَالَ الْمُتَّبِعِ عَلَى مَتْبُوعِهِ.
وَأُتْرِفُوا: أُعْطُوا التَّرَفَ، وَهُوَ السَّعَةُ وَالنَّعِيمُ الَّذِي سَهَّلَهُ اللَّهُ لَهُمْ فَاللَّهُ هُوَ الَّذِي أَتْرَفَهُمْ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute