فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [١٢] ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلتَّقْرِيرِ كَقَوْلِهِ: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [الْبَقَرَة: ٢٦٠] .
وَالْفُؤَادُ: أُطْلِقَ عَلَى الْإِدْرَاكِ كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
وَتَثْبِيتُ فُؤَادِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زِيَادَةُ يَقِينِهِ وَمَعْلُومَاتِهِ بِمَا وَعَدَهُ اللَّهُ لِأَنَّ كُلَّ مَا يُعَادُ ذِكْرُهُ مِنْ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَحْوَالِ أُمَمِهِمْ مَعَهُمْ يَزِيدُهُ تَذَكُّرًا وَعِلْمًا بِأَنَّ حَالَهُ جَارٍ عَلَى سُنَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَازْدَادَ تَذَكُّرًا بِأَنَّ عَاقِبَتَهُ النَّصْرُ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَتَجَدُّدُ تَسْلِيَةٍ عَلَى مَا يَلْقَاهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ التَّكْذِيبِ وَذَلِكَ يَزِيدُهُ صَبْرًا. وَالصَّبْرُ: تَثْبِيتُ الْفُؤَادِ.
وَأَنَّ تَمَاثُلَ أَحْوَالِ الْأُمَمِ تِلْقَاءَ دَعْوَةِ أَنْبِيَائِهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْعُصُورِ يَزِيدُهُ عِلْمًا بِأَنَّ مَرَاتِبَ الْعُقُولِ الْبَشَرِيَّةِ مُتَفَاوِتَةٌ، وَأَنَّ قَبُولَ الْهُدَى هُوَ مُنْتَهَى ارْتِقَاءِ الْعَقْلِ، فَيَعْلَمُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ شَنْشَنَةٌ قَدِيمَةٌ فِي الْبَشَرِ، وَأَنَّ الْمُصَارَعَةَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ شَأْنٌ قَدِيمٌ، وَهِيَ مِنَ النَّوَامِيسِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا النِّظَامُ الْبَشَرِيُّ، فَلَا يُحْزِنُهُ مُخَالَفَةُ قَوْمِهِ عَلَيْهِ، وَيَزِيدُهُ عِلْمًا بِسُمُوِّ أَتْبَاعِهِ الَّذِينَ قَبِلُوا هُدَاهُ، وَاعْتَصَمُوا مِنْ دِينِهِ بِعُرَاهُ، فَجَاءَهُ فِي مِثْلِ قِصَّةِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَاخْتِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيهِ بَيَانُ الْحَقِّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَقَعُوا فِيمَا وَقَعَ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ.
وَالْإِشَارَةُ مِنْ قَوْلِهِ: فِي هذِهِ قِيلَ إِلَى السُّورَةِ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَيَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ كَانَتْ أَوْفَى بِأَنْبَاءِ الرُّسُلِ مِنَ السُّوَرِ النَّازِلَةِ قَبْلَهَا وَبِهَذَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ يُونُسَ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ- إِلَى قَوْلِهِ- مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: ١١٦- ١١٩] . فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِي شَأْنِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنه لم يجىء مِثْلَهُ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَاتِ، فَتَأَمَّلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute