وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَحَدَ عَشَرَ- بِفَتْحِ الْعَيْنِ- مِنْ عَشَرَ. وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ- بِسُكُونِ الْعَيْنِ-.
وَاسْتَعْمَلَ ضَمِيرَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ لِلْكَوَاكِبِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي قَوْلِهِ: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ، لِأَنَّ كَوْنَ ذَلِكَ لِلْعُقَلَاءِ غَالِبٌ لَا مُطَّرِدٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْأَصْنَامِ وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [سُورَة الْأَعْرَاف: ١٩٨] ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا [سُورَة النَّمْلُ: ١٨] .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْحَالَةُ الْمَرْئِيَّةُ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ حَالَةَ الْعُقَلَاءِ، وَهِيَ حَالَةُ السُّجُودِ نَزَّلَهَا مَنْزِلَةَ الْعُقَلَاءِ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهَا ضَمِيرَ (هُمْ) وَصِيغَةَ جَمْعِهِمْ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى عَامِلِهِ فِي قَوْلِهِ: لِي ساجِدِينَ لِلِاهْتِمَامِ، عَبَّرَ بِهِ عَنْ مَعْنَى تَضَمُّنِهِ كَلَامَ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِلُغَتِهِ يَدُلُّ عَلَى حَالَةٍ فِي الْكَوَاكِبِ مِنَ التَّعْظِيمِ لَهُ تَقْتَضِي الِاهْتِمَامَ بِذِكْرِهِ فَأَفَادَهُ تَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَابْتِدَاءُ قِصَّةِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِذِكْرِ رُؤْيَاهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ هيّأ نَفسه للنبوءة فَابْتَدَأَهُ بِالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ أَوَّلَ مَا ابْتُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ» . وَفِي ذَلِكَ تَمْهِيدٌ لِلْمَقْصُودِ مِنَ الْقِصَّةِ وَهُوَ تَقْرِيرُ فَضْلِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ طَهَارَةٍ وَزَكَاءِ نَفْسٍ وَصَبْرٍ.
فَذَكَرَ هَذِهِ الرُّؤْيَا فِي صَدْرِ الْقِصَّةِ كَالْمُقَدِّمَةِ وَالتَّمْهِيدِ لِلْقِصَّةِ الْمَقْصُودَةِ.
وَجَعَلَ اللَّهُ تِلْكَ الرُّؤْيَا تَنْبِيهًا لِيُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِعُلُوِّ شَأْنِهِ لِيَتَذَكَّرَهَا كُلَّمَا حَلَّتْ بِهِ ضَائِقَةٌ فَتَطَمَئِنَّ بِهَا نَفْسُهُ أَنَّ عَاقِبَتَهُ طَيِّبَةٌ.
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ يُوسُفُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَبَاهُ بِهَاتِهِ الرُّؤْيَا لِأَنَّهُ عَلِمَ بِإِلْهَامٍ أَوْ بِتَعْلِيمٍ سَابِقٍ مِنْ أَبِيهِ أَنَّ لِلرُّؤْيَا تَعْبِيرًا، وَعَلِمَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كِنَايَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute