وَعَلِمَ يَعْقُوبُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- ذَلِكَ مِنْ دَلَالَةِ الرُّؤْيَا عَلَى سُجُودِ الْكَوَاكِبِ وَالنَّيِّرَيْنِ لَهُ، وَقَدْ عَلِمَ يَعْقُوبُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- تَأْوِيلَ تِلْكَ بِإِخْوَتِهِ وَأَبَوَيْهِ أَوْ زَوْجِ أَبِيهِ وَهِيَ خَالَةُ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَعَلِمَ مِنْ تَمْثِيلِهِمْ فِي الرُّؤْيَا أَنَّهُمْ حِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ يَكُونُ أُخُوَتُهُ قَدْ نَالُوا النُّبُوءَةَ، وَبِذَلِكَ عَلِمَ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَى إِخْوَتِهِ وَعَلَى زَوْجِ يَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السّلام- بالصديقية إِذا كَانَت زَوْجَة نبيء. فَالْمُرَادُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ خاصتهم وهم أنباؤه وَزَوْجُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِإِتْمَامِ النِّعْمَةِ لِيُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِعْطَاءُ الْمُلْكِ فَإِتْمَامِهَا عَلَى آلِ يَعْقُوبَ هُوَ أَنْ زَادَهُمْ عَلَى مَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الْفَضْلِ نِعْمَةَ قَرَابَةِ الْمَلِكِ، فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ آلِهِ جَمِيعَ قَرَابَتِهِ.
وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ تَذْكِيرٌ لَهُ بِنِعَمٍ سَابِقَةٍ، وَلَيْسَ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا. ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ إِتْمَامِ النِّعْمَةِ النُّبُوءَةَ فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ إِتْمَامِ النِّعْمَةِ الْمُلْكَ فَالتَّشْبِيهُ فِي إِتْمَامِ النِّعْمَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَجَعَلَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- أَبَوَيْنِ لَهُ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَادَةً عَلَيْهِ، فَهُمَا أَبَوَاهُ
الْأَعْلَيَانِ بِقَرِينَةِ الْمقَام
كَقَوْل النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»
. وَجُمْلَةُ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تَذْيِيلٌ بِتَمْجِيدِ هَذِهِ النِّعَمِ، وَأَنَّهَا كَائِنَةٌ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، فَعَلِمُهُ هُوَ عِلْمُهُ بِالنُّفُوسِ الصَّالِحَةِ لِهَذِهِ الْفَضَائِلِ، لِأَنَّهُ خَلَقَهَا لِقَبُولِ ذَلِكَ فَعَلِمُهُ بِهَا سَابِقٌ، وَحِكْمَتُهُ وَضْعُ النِّعَمِ فِي مَوَاضِعِهَا الْمُنَاسِبَةِ.
وَتَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِ إِنَّ لِلِاهْتِمَامِ لَا لِلتَّأْكِيدِ إِذْ لَا يَشُكُّ يُوسُفُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي عِلْمِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ. وَالِاهْتِمَامُ ذَرِيعَةٌ إِلَى إِفَادَةِ التَّعْلِيلِ. وَالتَّفْرِيعُ فِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِالثَّنَاءِ عَلَى يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَتَأَهُّلُهُ لِمِثْلِ تِلْكَ الْفَضَائِل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute