وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِقَطْعِ إِلْحَاحِهِمْ بِتَحْقِيقِ أَنَّ حُزْنَهُ لِفِرَاقِهِ ثَابِتٌ، تَنْزِيلًا لَهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنْكِرُ ذَلِكَ، إِذْ رَأَى إِلْحَاحَهُمْ. وَيَسْرِي التَّأْكِيدُ إِلَى جُمْلَةِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ.
فَأَبَوْا إِلَّا الْمُرَاجَعَةَ قَالُوا: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ.
وَاللَّامُ فِي لَئِنْ أَكَلَهُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ، أَرَادُوا تَأْكِيدَ الْجَوَابِ بِاللَّامِ. وَإِنْ وَلَامِ الِابْتِدَاءِ وَإِذَنِ الْجَوَابِيَّةِ تَحْقِيقًا لِحُصُولِ خُسْرَانِهِمْ عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الشَّرْطِ. وَالْمُرَادُ:
الْكِنَايَةُ عَنْ عَدَمِ تَفْرِيطِهِمْ فِيهِ وَعَنْ حِفْظِهِمْ إِيَّاهُ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَرْضَى أَنْ يُوصَفَ بِالْخُسْرَانِ.
وَالْمُرَادُ بِالْخُسْرَانِ: انْتِفَاءُ النَّفْعِ الْمَرْجُوِّ مِنَ الرِّجَالِ، اسْتَعَارُوا لَهُ انْتِفَاءَ نَفْعِ التَّاجِرِ مِنْ تَجْرِهِ، وَهُوَ خَيْبَةٌ مَذْمُومَةٌ، أَيْ إِنَّا إِذَنْ لَمَسْلُوبُونَ مِنْ صِفَاتِ الْفُتُوَّةِ مِنْ قُوَّةٍ وَمَقْدِرَةٍ وَيَقَظَةٍ. فَكَوْنُهُمْ عُصْبَةً يَحُولُ دُونَ تَوَاطِيهِمْ عَلَى مَا يُوجِبُ الْخُسْرَانَ لِجَمِيعِهِمْ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْعُصْبَةِ آنِفًا، وَفِي هَذَا عِبْرَةٌ مِنْ مِقْدَارِ إِظْهَارِ الصَّلَاحِ مَعَ اسْتِبْطَانِ الضُّرِّ وَالْإِهْلَاكِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِتَحْقِيقِ هَمْزَةِ الذِّئْبُ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَهُ وَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ، وَالسُّوسِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيُّ بِتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ يَاءً. وَفِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ نُسِبَ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ إِلَى خَلَفٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ، وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ. وَفِي الْبَيْضَاوِيُّ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو أَظْهَرَ الْهَمْزَةَ فِي التَّوَقُّفِ، وَأَنَّ حَمْزَةَ أَظْهَرَهَا فِي الْوَصْل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute