وَالْعِشَاءُ: وَقْتُ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ الْبَاقِي مِنْ بَقَايَا شُعَاعِ الشَّمْسِ بَعْدَ غُرُوبِهَا.
وَالْبُكَاءُ: خُرُوجُ الدُّمُوعِ مِنَ الْعَيْنَيْنِ عِنْدَ الْحُزْنِ وَالْأَسَفِ وَالْقَهْرِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً [سُورَة التَّوْبَة: ٨٢] . وَقَدْ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْبُكَاءِ الْمُصْطَنَعِ وَهُوَ التَّبَاكِي. وَإِنَّمَا اصْطَنَعُوا الْبُكَاءَ تَمْوِيهًا عَلَى أَبِيهِمْ لِئَلَّا يَظُنُّ بِهِمْ أَنَّهُمُ اغْتَالُوا يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَلَعَلَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ مَقْدِرَةٌ عَلَى الْبُكَاءِ مَعَ عَدَمِ وِجْدَانِ مُوجِبِهِ، وَفِي النَّاسِ عَجَائِبُ مِنَ التَّمْوِيهِ وَالْكَيْدِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَتَأَثَّرُ أَعْصَابُهُمْ بِتَخَيُّلِ الشَّيْءِ وَمُحَاكَاتِهِ فَيَعْتَرِيهِمْ مَا يَعْتَرِي النَّاسَ بِالْحَقِيقَةِ.
وَبَعْضُ الْمُتَظَلِّمِينَ بِالْبَاطِلِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَفِطْنَةُ الْحَاكِمِ لَا تَنْخَدِعُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْحِيَلِ
وَلَا تَنُوطُ بِهَا حُكْمًا، وَإِنَّمَا يُنَاطُ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ.
جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى شُرَيْحٍ تُخَاصِمُ فِي شَيْءٍ وَكَانَتْ مُبْطِلَةً فَجَعَلَتْ تَبْكِي، وَأَظْهَرَ شُرَيْحٌ عَدَمَ الِاطْمِئْنَانِ لِدَعْوَاهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَمَا تَرَاهَا تَبْكِي؟! فَقَالَ: قَدْ جَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ وَهُمْ ظَلَمَةٌ كَذَبَةٌ، لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْضِيَ إِلَّا بِالْحَقِّ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بُكَاءَ الْمَرْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مَقَالِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَصَنُّعًا. وَمِنَ الْخَلْقِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدِرُ.
قُلْتُ: وَمِنَ الْأَمْثَالِ «دُمُوعُ الْفَاجِرِ بِيَدَيْهِ» وَهَذِهِ عِبْرَةٌ فِي هَذِهِ الْعِبْرَةِ.
وَالِاسْتِبَاقُ: افْتِعَالٌ مِنَ السَّبْقِ وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى التَّسَابُقِ قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «وَالِافْتِعَالُ وَالتَّفَاعُلُ يَشْتَرِكَانِ كَالِانْتِضَالِ وَالتَّنَاضُلِ، وَالِارْتِمَاءِ وَالتَّرَامِي، أَيْ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ.
وَلِذَلِكَ يُقَالُ: السِّبَاقُ أَيْضًا. كَمَا يُقَالُ النِّضَالُ وَالرِّمَاءُ» . وَالْمُرَادُ: الِاسْتِبَاقُ بِالْجَرْيِ عَلَى الْأَرْجُلِ، وَذَلِكَ مِنْ مَرَحِ الشَّبَابِ وَلَعِبِهِمْ.
وَالْمَتَاعُ: مَا يُتَمَتَّعُ أَيْ يُنْتَفَعُ بِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٠٢] . وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ثَقَلُهُمْ مِنَ الثِّيَابِ وَالْآنِيَةِ وَالزَّادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute