الْمَحْمُودَةِ مِنْ كِتَابِ «الْإِحْيَاءِ» ، لِأَنَّهُ عَدَّ أَوَّلَهَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُعْنَى بِعِلْمِ الْكِتَابِ حِفْظُ أَلْفَاظِهِ بَلْ فَهْمُ مَعَانِيهَا وَبِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يُعَدَّ رَأْسَ الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَمَا وَصَفَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِذَلِكَ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ حَيْثُ مَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ مَكِّيٍّ وَمَدَنِيٍّ، وَنَاسِخٍ وَمَنْسُوخٍ، وَمِنْ قَوَاعِدِ الِاسْتِنْبَاطِ الَّتِي تُذْكَرُ أَيْضًا فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ عُمُوم وخصوص وَغير هما كَانَ مَعْدُودًا فِي مُتَمِّمَاتِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ (١) ، وَبِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ عُدَّ فِيهَا إِذْ قَالَ: «الضَّرْبُ الرَّابِعُ الْمُتَمِّمَاتُ وَذَلِكَ فِي عِلْمِ
الْقُرْآنِ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ، كَعِلْمِ الْقِرَاءَاتِ، وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى كَالتَّفْسِيرِ فَإِنَّ اعْتِمَادَهُ أَيْضًا عَلَى النَّقْلِ، وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِهِ كَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَكَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِ الْبَعْضِ مِنْهُ مَعَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يُسَمَّى أُصُولَ الْفِقْهِ» وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يَكُونُ رَئِيسَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَالتَّفْسِيرُ أَوَّلُ الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّةِ ظُهُورًا، إِذْ قَدْ ظَهَرَ الْخَوْضُ فِيهِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ قَدْ سَأَلَ عَنْ بَعْضِ مَعَانِي الْقُرْآنِ كَمَا سَأَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْكَلَالَةِ، ثُمَّ اشْتُهِرَ فِيهِ بَعْدُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَهُمَا أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ قَوْلًا فِي التَّفْسِيرِ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَثُرَ الْخَوْضُ فِيهِ، حِينَ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَرَبِيَّ السَّجِيَّةِ، فَلَزِمَ التَّصَدِّي لِبَيَانِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لَهُمْ، وَشَاعَ عَنِ التَّابِعينَ وَأَشْهُرُهُمْ فِي ذَلِكَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَهُوَ أَيْضًا أَشْرَفُ الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَرَأْسُهَا عَلَى التَّحْقِيقِ.
وَأَمَّا تَصْنِيفُهُ فَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ الْمَكِّيُّ الْمَوْلُودُ سَنَةَ ٨٠ هـ وَالْمُتَوَفَّى سَنَةَ ١٤٩ هـ. صَنَّفَ كِتَابَهُ فِي تَفْسِيرِ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَجَمَعَ فِيهِ آثَارًا وَغَيْرَهَا أَكثر رِوَايَتَهُ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ، وَصُنِّفَتْ تَفَاسِيرُ وَنُسِبَتْ رِوَايَتُهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ،
(١) حَيْثُ قسم الْعُلُوم إِلَى شَرْعِيَّة وَغَيرهَا، وَقسم الشَّرْعِيَّة إِلَى محمودة ومذمومة، وَقسم المحمودة مِنْهَا إِلَى أضْرب أَرْبَعَة: أصُول وفروع ومقدمات ومتممات، فالأصول الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وآثار الصَّحَابَة، وَالثَّانِي الْفُرُوع وَهُوَ مَا فهم من الْأُصُول، وَهُوَ الْفِقْه وَعلم أَحْوَال الْقُلُوب، وَالثَّالِث الْمُقدمَات كالنحو واللغة، وَالرَّابِع المتممات لِلْقُرْآنِ وللسنة وللآثار وَهِي الْقرَاءَات وَالتَّفْسِير وَالْأُصُول وَعلم الرِّجَال وَلَيْسَ فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة مَذْمُوم إِلَّا عرضا، كبعض أَحْوَال علم الْكَلَام، وَبَعض الْفِقْه الَّذِي يقْصد للتحيل وَنَحْوه. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute