وَتَقْطِيعُ أَيْدِيَهُنَّ كَانَ مِنَ الذُّهُولِ، أَيْ أَجْرَيْنَ السَّكَاكِينَ عَلَى أَيْدِيهِنَّ يَحْسَبْنَ أَنَّهُنَّ يَقْطَعْنَ الْفَوَاكِهَ. وَأُرِيدَ بِالْقَطْعِ الْجَرْحُ، أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ مَجَازًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي شِدَّتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَطَعَ قِطْعَةً مِنْ لَحْمِ الْيَدِ.
وحاشَ لِلَّهِ تَرْكِيبٌ عَرَبِيٌّ جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ يُرَادُ مِنْهُ إِبْطَالُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ وَبَرَاءَتُهُ مِنْهُ. وَأَصْلُ (حَاشَا) فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَاعَدَةِ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْحَرْفِ فَيُجَرُّ بِهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيُقْتَصِرُ عَلَيْهِ تَارَةً. وَقَدْ يُوصَلُ بِهِ اسْمُ الْجَلَالَةِ فَيَصِيرُ كَالْيَمِينِ عَلَى النَّفْيِ يُقَالُ: حَاشَا اللَّهَ، أَيْ أُحَاشِيَهُ عَنْ أَنْ يَكْذِبَ، كَمَا يُقَالُ: لَا أُقْسِمُ. وَقَدْ تُزَادُ فِيهِ لَامُ الْجَرِّ فَيُقَالُ: حَاشَا لِلَّهِ وَحَاشَ لِلَّهِ، بِحَذْفِ الْأَلِفِ، أَيْ حَاشَا لِأَجْلِهِ، أَيْ لِخَوْفِهِ أَنْ أَكْذِبَ.
حُكِيَ بِهَذَا التَّرْكِيبِ كَلَامٌ قَالَتْهُ النِّسْوَةُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي لُغَةِ الْقِبْطِ حِكَايَةً بِالْمَعْنَى.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو «حَاشَا لِلَّهِ» بِإِثْبَاتِ أَلْفِ حَاشَا فِي الْوَصْلِ، وَقَرَأَ الْبَقِيَّةَ بِحَذْفِهَا فِيهِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى الْحَذْفِ فِي حَالَةِ الْوَقْفِ.
وَقَوْلُهُنَّ: مَا هَذَا بَشَراً مُبَالَغَةٌ فِي فَوْتِهِ مَحَاسِنَ الْبَشَرِ، فَمَعْنَاهُ التَّفْضِيلُ فِي مَحَاسِنِ الْبَشَرِ، وَهُوَ ضِدُّ مَعْنَى التَّشَابُهِ فِي بَابِ التَّشْبِيهِ.
ثُمَّ شَبَّهْنَهُ بِوَاحِدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِطَرِيقَةِ حَصْرِهِ فِي جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ تَشْبِيهًا بَلِيغًا مُؤَكَّدًا.
وَكَانَ الْقِبْطُ يَعْتَقِدُونَ وُجُودَ مَوْجُودَاتٍ عُلْوِيَّةٍ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْوَاحِ الْعُلْوِيَّةِ، وَيُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِالْآلِهَةِ أَوْ قُضَاةِ يَوْمَ الْجَزَاءِ، وَيَجْعَلُونَ لَهَا صُوَرًا، وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَتَوَخَّوْنَ أَنْ تَكُونَ ذَوَاتًا حَسَنَةً. وَمِنْهَا مَا هِيَ مُدَافِعَةٌ عَنِ الْمَيِّتِ يَوْمَ الْجَزَاءِ. فَأَطْلَقَ فِي الْآيَةِ اسْمَ الْمَلَكِ عَلَى مَا كَانَتْ حَقِيقَتُهُ مُمَاثِلَةً لِحَقِيقَةِ مُسَمَّى الْمَلَكِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تَقْرِيبًا لِأَفْهَامِ السَّامِعِينَ.
فَهَذَا التَّشْبِيهُ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَحْسُوسِ بِالْمُتَخَيَّلِ، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَمَسْنُونَةُ زُرْقٍ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute