للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَعَمْ إِنَّ الْقِبْطَ بَنَوْا تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ عَلَى تَعَدُّدِ الْقُوَى وَالْعَنَاصِرِ وَبَعْضِ الْكَوَاكِبِ ذَاتِ الْقُوَى. وَمَثَلُهُمُ الْإِغْرِيقُ فَهُمْ فِي ذَلِكَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ أَلَّهُوا الْحِجَارَةَ. وَقُصَارَى مَا قَسَّمُوهُ فِي عِبَادَتِهَا أَنْ جَعَلُوا بَعْضَهَا آلِهَةً لِبَعْضِ الْقَبَائِلِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَفَرَّتْ ثَقِيفٌ إِلَى لَاتِهَا وَأَحْسَنُ حَالًا من الصابئة الكلدانيين والأشوريين الَّذِينَ جَعَلُوا الْآلِهَةَ رُمُوزًا لِلنُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ.

وَكَانَتْ آلِهَةُ الْقِبْطِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ رَبًّا أَكْبَرَهَا عِنْدَهُمْ آمَونْ رَعْ. وَمِنْ أَعْظَمِ آلِهَتِهِمْ ثَلَاثَةٌ أُخَرُ وَهِيَ: أُوزُورِيسُ، وَإِزيسُ، وَهُورُوسُ. فَلِلَّهِ بَلَاغَةُ الْقُرْآنِ إِذْ عَبَّرَ عَنْ تَعَدُّدِهَا بِالتَّفَرُّقِ فَقَالَ: أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ [سُورَة يُوسُف: ٣٩] .

وَبَعْدَ أَنْ أَثَارَ لَهُمَا الشَّكَّ فِي صِحَّةِ إِلَهِيَّةِ آلِهَتِهِمُ الْمُتَعَدِّدِينَ انْتَقَلَ إِلَى إِبْطَالِ وُجُودِ تِلْكَ الْآلِهَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِقَوْلِهِ: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ، يَعْنِي أَنَّ تِلْكَ الْآلِهَةَ لَا تَحَقُّقَ لِحَقَائِقِهَا فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ بَلْ

هِيَ تَوَهُّمَاتٌ تَخَيَّلُوهَا.

وَمَعْنَى قَصْرِهَا عَلَى أَنَّهَا أَسْمَاءٌ قَصْرًا إِضَافِيًّا، أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لَا مُسَمَّيَاتٍ لَهَا فَلَيْسَ لَهَا فِي الْوُجُودِ إِلَّا أَسْمَاؤُهَا.

وَقَوْلُهُ: أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِلضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ فِي سَمَّيْتُمُوها. وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى آبَائِهِمْ سَدًّا لِمَنَافِذِ الِاحْتِجَاجِ لِأَحَقِّيَّتِهَا بِأَنَّ تِلْكَ الْآلِهَةَ مَعْبُودَاتُ آبَائِهِمْ، وَإِدْمَاجًا لِتَلْقِينِ الْمَعْذِرَةِ لَهُمَا لِيَسْهُلَ لَهُمَا الْإِقْلَاعُ عَنْ عِبَادَةِ آلِهَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ.

وَإِنْزَالُ السُّلْطَانِ: كِنَايَةٌ عَنْ إِيجَادِ دَلِيلِ إِلَهِيَّتِهَا فِي شَوَاهِدِ الْعَالَمِ. وَالسُّلْطَانُ:

الْحُجَّةُ.