وَقَدْ يُطْلَقُ الصِّدِّيقُ عَلَى أَصْلِ وَصْفِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ [سُورَة الْحَدِيد: ١٩] عَلَى أَحَدِ تَأْوِيلَيْنِ فِيهَا.
فَهَذَا الَّذِي اسْتَفْتَى يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي رُؤْيَا الْمَلِكِ وَصَفَ فِي كَلَامِهِ- يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِمَعْنًى يَدُلُّ عَلَيْهِ وَصْفُ الصِّدِّيقِ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِهِ عَنْ خِبْرَةٍ وَتَجْرِبَةٍ اكْتَسَبَهَا مِنْ مُخَالَطَةِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي السِّجْنِ.
فَضَمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا إِلَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ
[٧٥] ، وَإِلَى قَوْلِهِ: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٦٩] .
وَإِعَادَةُ الْعِبَارَاتِ الْمَحْكِيَّةِ عَنِ الْمَلِكِ بِعَيْنِهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ بَلَّغَ السُّؤَالَ كَمَا تَلَقَّاهُ، وَذَلِكَ تَمَامُ أَمَانَةِ النَّاقِلِ.
والنَّاسِ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٨] .
وَالْمُرَادُ بِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [سُورَة آل عمرَان: ١٧٣] . وَالنَّاسُ هُنَا هُمُ الْمَلِكُ وَأَهْلُ مَجْلِسِهِ، لِأَنَّ تَأْوِيلَ تِلْكَ الرُّؤْيَا يُهِمُّهُمْ جَمِيعًا لِيَعْلَمَ الْمَلِكُ تَأْوِيلَ رُؤْيَاهُ وَيَعْلَمَ أَهْلُ مَجْلِسِهِ أَنَّ مَا عَجَزُوا عَنْ تَأْوِيلِهِ قَدْ عُلِّمَهُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ. وَهَذَا وَجْهُ قَوْلِهِ: لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَعَ حَذْفِ مَعْمُولِ يَعْلَمُونَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ مَا يفِيدهُ علمه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute