أَوْ رَصَدُوا الْأَعْيُنَ إِلَيْهِمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ ضُرًّا لَهُمْ وَحَائِلًا دُونَ سُرْعَةِ وُصُولِهِمْ إِلَى يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَدُونَ قَضَاءِ حَاجَتِهِمْ. وَقَدْ قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ: «اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ» .
وَلَمَّا كَانَ شَأْنُ إِقَامَةِ الْحُرَّاسِ وَالْأَرْصَادِ أَنْ تَكُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَدِينَةِ اقْتَصَرَ عَلَى تَحْذِيرِهِمْ مِنَ الدُّخُولِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ دُونَ أَنْ يُحَذِّرَهُمْ مِنَ الْمَشْيِ فِي سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ، وَوَثِقَ بِأَنَّهُمْ عَارِفُونَ بِسِكَكِ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَخْشَ ضَلَالَهُمْ فِيهَا، وَعَلِمَ أَنَّ (بِنْيَامِينَ) يَكُونُ فِي صُحْبَةِ أَحَدِ إِخْوَتِهِ لِئَلَّا يَضِلَّ فِي الْمَدِينَةِ.
وَالْمُتَفَرِّقَةُ أَرَادَ بِهَا الْمُتَعَدِّدَةَ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ. وَوَجْهُ الْعُدُولِ عَنِ الْمُتَعَدِّدَةِ إِلَى الْمُتَفَرِّقَةِ الْإِيمَاءُ إِلَى عِلَّةِ الْأَمْرِ وَهِيَ إِخْفَاءُ كَوْنِهِمْ جَمَاعَةً وَاحِدَةً.
وَجُمْلَةُ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ مُعْتَرِضَةٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ، أَيْ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ بِوَصِيَّتِي هَذِهِ شَيْئًا. ومِنَ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِ أُغْنِي، أَيْ لَا يَكُونُ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مُغْنِيًا غَنَاءً مُبْتَدِئًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بَلْ هُوَ الْأَدَبُ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ مَا أَمَرَ اللَّهُ، فَإِنْ صَادَفَ مَا قَدَّرَهُ فَقَدْ حَصَلَ فَائِدَتَانِ، وَإِنْ خَالَفَ مَا قَدَّرَهُ حَصَلَتْ فَائِدَةُ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاقْتِنَاعُ النَّفْسِ بِعَدَمِ التَّفْرِيطِ.
وَتَقَدَّمَ وَجْهُ تَرْكِيبِ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٤١] .
وَأَرَادَ بِهَذَا تَعْلِيمَهُمُ الِاعْتِمَادَ عَلَى تَوْفِيقِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ الظَّاهِرَةِ تَأَدُّبًا مَعَ وَاضِعِ الْأَسْبَابِ وَمُقَدِّرِ الْأَلْطَافِ فِي رِعَايَةِ الْحَالَيْنِ، لِأَنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَطَّلِعَ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ فِي الْأَعْمَالِ فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَعَرَّفَهَا بِعَلَامَاتِهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِالسَّعْيِ لَهَا.
وَهَذَا سِرُّ مَسْأَلَةِ الْقَدَرِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ
قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»
،
وَفِي الْأَثَرِ «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا يَسَّرَ أَسْبَابَهُ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute