للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُ الْفِتْيَانِ (فَما جَزاؤُهُ) إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ تَحْكِيمٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يَسَعُهُمْ إِلَّا أَنْ يُعَيِّنُوا جَزَاءً يُؤْخَذُونَ بِهِ، فَهَذَا تَحْكِيمُ الْمَرْءِ فِي ذَنبه.

وَمعنى فَما جَزاؤُهُ: مَا عِقَابُهُ. وَضَمِيرُ جَزاؤُهُ عَائِدٌ إِلَى الصُّوَاعِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامِ، أَيْ مَا جَزَاءُ سَارِقِهِ أَوْ سَرِقَتِهِ.

وَمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ إِنْ تَبَيَّنَ كَذِبُكُمْ بِوُجُودِ الصُّوَاعِ فِي رِحَالِكُمْ.

وَقَوْلُهُ: جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ. جَزاؤُهُ الْأَوَّلُ مُبْتَدَأٌ، ومَنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً وَهِيَ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَأَنَّ جُمْلَةَ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ جُمْلَةُ الشَّرْطِ وَجُمْلَةَ فَهُوَ جَزاؤُهُ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَالْفَاءُ رَابِطَةٌ لِلْجَوَابِ، وَالْجُمْلَةُ الْمُرَكَّبَةُ مِنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ خَبَرٌ عَنِ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْ مَوْصُولَةً مُبْتَدَأً ثَانِيًا، وَجُمْلَةُ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ صِلَةَ الْمَوْصُولِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ الصُّوَاعُ هُوَ جَزَاءُ السَّرِقَةِ، أَيْ ذَاتُهُ هِيَ جَزَاءُ السَّرِقَةِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ ذَاتَهُ تَكُونُ عِوَضًا عَنْ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ، أَيْ أَن يصير رَفِيقًا لِصَاحِبِ الصُّوَاعِ لِيَتِمَّ مَعْنَى الْجَزَاءِ بِذَاتٍ أُخْرَى. وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنَ السِّيَاقِ إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ إِتْلَافَ ذَاتِ السَّارِقِ لِأَنَّ السَّرِقَةَ لَا تَبْلُغُ عُقُوبَتُهَا حَدَّ الْقَتْلِ.

فَتَكُونُ جُمْلَةُ فَهُوَ جَزاؤُهُ تَوْكِيدًا لَفْظِيًّا لِجُمْلَةِ جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ، لِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ الِانْفِلَاتِ مِنْهُ، وَتَكُونُ الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ تَفْرِيعِ التَّأْكِيدِ عَلَى الْمُوَكَّدِ. وَقَدْ حَكَمَ إِخْوَةُ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ وَتَرَاضَوْا عَلَيْهِ فَلَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ.

وَيَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حُكْمًا مَشْهُورًا بَيْنَ الْأُمَمِ أَنْ يُسْتَرَقَّ السَّارِقُ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنِ اسْتِرْقَاقِ الْمَغْلُوبِ فِي الْقِتَالِ. وَلَعَلَّهُ كَانَ حُكْمًا مَعْرُوفًا فِي مِصْرَ لِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ [سُورَة يُوسُف: ٧٦] .

وَجُمْلَةُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ بِقِيمَة كَلَامِ إِخْوَةِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-،