للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُرَادُ مِنَ الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ التَّعْظِيمُ، كَقَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ مَا كَانَ، فَإِنْ جَعَلْتَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: عَنْها عَائِدًا إِلَى الْجَنَّةِ كَانَ هَذَا التَّفْرِيعُ تَفْرِيعَ الْمُفَصَّلِ عَنِ الْمُجْمَلِ وَكَانَتِ الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ الْمُجَرَّدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ [الْأَعْرَاف: ٤] وَقَوْلِهِ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ [الْقَمَر: ٩] . أَمَّا دَلَالَةُ الْمَوْصُولِ عَنِ التَّعْظِيمِ فَهِيَ هِيَ.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ «فَأَزَالَهُمَا» بِأَلْفٍ بَعْدِ الزَّايِ وَهُوَ مِنَ الْإِزَالَةِ بِمَعْنَى الْإِبْعَادِ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ عَنْها عَائِدًا إِلَى الْجَنَّةِ لَا إِلَى الشَّجَرَةِ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ فَقَدْ خَرَجَ مِمَّا كَانَ فِيهِ إِحْضَارًا لِهَذِهِ الْخَسَارَةِ الْعَظِيمَةِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِينَ حَتَّى لَا تَكُونَ اسْتِفَادَتُهَا بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ خَاصَّةً فَإِنَّهَا دَلَالَةٌ قَدْ تَخْفَى فَكَانَتْ إِعَادَتُهُ فِي هَذِهِ الصِّلَةِ بِمُرَادِفِهِ كَإِعَادَتِهِ بِلَفْظِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ [طه: ٧٨] .

وَتُفِيدُ الْآيَةُ إِثَارَةَ الْحَسْرَةِ فِي نُفُوسِ بَنِي آدَمَ عَلَى مَا أَصَابَ آدَمَ مِنْ جَرَّاءِ عَدَمِ امْتِثَالِهِ لِوِصَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَوْعِظَةً تُنَبِّهُ بِوُجُوبِ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّرْغِيبِ فِي السَّعْيِ إِلَى مَا يُعِيدُهُمْ إِلَى هَذِهِ الْجَنَّةِ الَّتِي كَانَتْ لِأَبِيهِمْ وَتَرْبِيَةَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ إِذْ كَانَ سَبَبًا فِي جَرِّ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ لِأَبِيهِمْ حَتَّى يَكُونُوا أَبَدًا ثَأْرًا لِأَبِيهِمْ مُعَادِينَ لِلشَّيْطَانِ وَوَسْوَسَتِهِ مُسِيئِينَ الظُّنُونَ بِإِغْرَائِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الْأَعْرَاف: ٢٧] وَقَوْلُهُ هُنَا: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ. وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي تَرْبِيَةِ الْعَامَّةِ وَلِأَجْلِهِ كَانَ قَادَةُ الْأُمَمِ يَذْكُرُونَ لَهُمْ سَوَابِقَ عَدَاوَاتِ مُنَافِسِيهِمْ وَمَنْ

غَلَبَهُمْ فِي الْحُرُوبِ لِيَكُونَ ذَلِكَ بَاعِثًا عَلَى أَخْذِ الثَّأْرِ.

وَعَطْفُ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بِالْوَاوِ دُونَ الْفَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ متفرّع عَنِ الْإِخْرَاجِ بَلْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ ذِكْرَ الْإِخْرَاجِ قَبْلَ هَذَا لِمُنَاسَبَةِ سِيَاقِ مَا فَعَلَهُ الشَّيْطَانُ وَغُرُورِهِ بِآدَمَ فَلِذَلِكَ قُدِّمَ قَوْلُهُ: فَأَخْرَجَهُما إِثْرَ قَوْلِهِ: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ. وَوَجْهُ جَمْعِ الضَّمِيرِ فِي اهْبِطُوا قِيلَ لِأَنَّ هُبُوطَ آدَمَ وَحَوَّاءَ اقْتَضَى أَنْ لَا يُوجَدَ نَسْلُهُمَا فِي الْجَنَّةِ فَكَانَ إِهْبَاطُهُمَا إِهْبَاطًا لِنَسْلِهِمَا، وَقِيلَ الْخِطَابُ لَهُمَا وَلِإِبْلِيسَ وَهُوَ وَإِنْ أُهْبِطَ عِنْدَ إِبَايَتِهِ السُّجُودَ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ [الْأَعْرَاف: ١٢، ١٣] إِلَى قَوْلِهِ قالَ اخْرُجْ مِنْها