الِاعْتِبَارِ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسَّبِيلِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ لِإِبْلَاغِهَا إِلَى الْمَطْلُوبِ وَهُوَ الْفَوْزُ الْخَالِدُ كَإِبْلَاغِ الطَّرِيقِ إِلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ لِلسَّائِرِ، وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
وَالسَّبِيلُ يُؤَنَّثُ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَيُذَكَّرُ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٤٦] .
وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ.
وَالْإِشَارَةُ إِلَى الشَّرِيعَةِ بِتَنْزِيلِ الْمَعْقُولِ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ لِبُلُوغِهِ مِنَ الْوُضُوحِ لِلْعُقُولِ حَدًّا لَا يَخْفَى فِيهِ إِلَّا عَمَّنْ لَا يُعَدُّ مُدْرِكًا.
وَمَا فِي جُمْلَةِ هذِهِ سَبِيلِي مِنِ الْإِبْهَامِ قَدْ فسرته جملَة أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى
بَصِيرَةٍ.
وعَلى فِيهِ للاستعلاء الْمجَازِي المُرَاد بِهِ التَّمَكُّن، مثل «على هدى من رَبهم» .
وَالْبَصِيرَةُ: فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَهِيَ الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ، وَالْمَعْنَى: أَدْعُو إِلَى اللَّهِ بِبَصِيرَةٍ مُتَمَكِّنًا مِنْهَا، وَوَصْفُ الْحُجَّةِ بِبَصِيرَةٍ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَالْبَصِيرُ: صَاحِبُ الْحُجَّةِ لِأَنَّهُ بِهَا صَارَ بَصِيرًا بِالْحَقِيقَةِ. وَمِثْلُهُ وَصْفُ الْآيَةِ بِمُبْصِرَةٍ فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً [سُورَة النَّمْل: ١٣] . وَبِعَكْسِهِ يُوصَفُ الْخَفَاءُ بِالْعَمَى كَقَوْلِهِ: وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ [سُورَة هود: ٢٨] .
وَضَمِيرُ أَنَا تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَتر فِي أَدْعُوا، أُتِيَ بِهِ لِتَحْسِينِ الْعَطْفِ بِقَوْلِهِ:
وَمَنِ اتَّبَعَنِي، وَهُوَ تَحْسِينٌ وَاجِبٌ فِي اللُّغَةِ.
وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مَأْمُورُونَ بِأَنْ يَدْعُوا إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا يَسْتَطِيعُونَ. وَقَدْ قَامُوا بِذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute